كشفت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية عن تفاصيل "الخطة النهائية" للسلام التي تعدها الإدارة الأمريكية لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، إذ تتضمن تجميد خطوط المواجهة الحالية مقابل تنازلات وصفها منتقدون بأنها استسلام للمصالح الروسية، وتمنح موسكو مكاسب استراتيجية مقابل وقف إطلاق النار وضمانات أمنية محدودة لأوكرانيا.
تنازلات لصالح موسكو
نقلت "ذا جارديان" عن ثلاثة مصادر مطلعة على المفاوضات، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبدى استعدادًا لتجميد خطوط المواجهة الحالية مقابل عدة تنازلات أمريكية، أبرزها الاعتراف بالسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم، وتخفيف كبير للعقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده.
وأكد نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، في تصريحات نقلتها الصحيفة، أن الولايات المتحدة تسعى إلى "تجميد الخطوط الإقليمية عند مستوى قريب مما هي عليه اليوم"، مضيفًا أن "بعض الأراضي قد تتغير ملكيتها".
وبحسب مسودة الخطة التي اطلع عليها موقع أكسيوس الإخباري وصحيفة "ذا تليجراف" البريطانية، ستحصل روسيا على اعتراف قانوني بسيطرتها على القرم، واعتراف فعلي (دون اعتراف رسمي) بسيطرتها على مناطق واسعة من شرق أوكرانيا، إضافة إلى وعد بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، مع إمكانية انضمامها مستقبلًا إلى الاتحاد الأوروبي.
كما ستستفيد موسكو من تخفيف العقوبات عن قطاع الطاقة، ما سيمكّن الكرملين من استعادة جزء كبير من تدفقات الإيرادات المالية الحيوية التي تأثرت بشدة منذ بدء الحرب في فبراير 2022.
الضمانات الأمنية لأوكرانيا
في المقابل، ستحصل أوكرانيا، وفق ما كشفت عنه "ذا جارديان"، على "ضمان أمني قوي" من مجموعة مخصصة من الدول الأوروبية، رغم أن المسودة لم تحدد بدقة كيفية عمل قوة حفظ السلام المقترحة أو مدى مشاركة الولايات المتحدة فيها.
كما سيُضمَن للأوكرانيين حرية المرور على نهر دنيبرو واستعادة بعض الأراضي في منطقة خاركيف، مع تعهدات بدعم مالي مستقبلي لإعادة الإعمار.
وتضمنت الخطة أيضًا حلًا وسطًا بشأن محطة زابوريجيا للطاقة النووية، إذ ستحتفظ أوكرانيا بالسيطرة عليها، لكن ستديرها الولايات المتحدة، التي ستزود كلًا من أوكرانيا وروسيا بالكهرباء المنتجة من المحطة، وفقًا للمسودة التي اطلع عليها موقع أكسيوس.
ما لم تشمله الخطة الأمريكية هو المطالب الروسية الأخرى، خاصة تلك المتعلقة بفرض قيود على حجم الجيش الأوكراني مستقبلًا أو حظر وجود قوات أجنبية في البلاد، وهي المخاوف التي أدرجتها روسيا ضمن "الأسباب الجذرية" التي دفعتها لشن عمليتاها العسكرية واسعة النطاق على أوكرانيا عام 2022.
تحفظات روسية
رغم أن مصدرًا مقربًا من الكرملين، نقلت عنه صحيفة "ذا جارديان"، قال إن "هناك فرصة لإبرام صفقة"، فإن المسؤولين الروس أبدوا تحفظات واضحة على جوانب معينة من الخطة، خاصة فيما يتعلق بنشر قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا.
وصرح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، للصحفيين أمس الأربعاء، بأن "روسيا لا تزال ضد وجود قوات حفظ سلام أوروبية، لأن ذلك سيعني فعليًا وجود قوات وموارد حلف الناتو على أراضي أوكرانيا، وهو أحد الأسباب الرئيسية لبدء العملية العسكرية الخاصة".
رفض زيلينسكي
من جهته، رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشكل قاطع التنازل عن القرم، مؤكدًا أن أوكرانيا "لن تعترف قانونيًا باحتلال القرم.. لا يوجد ما يمكن مناقشته هنا.. هذا ضد دستورنا".
وأثار هذا الموقف غضب نظيره الأمريكي دونالد ترامب، الذي وصف تصريحات زيلينسكي بأنها "ضارة جدًا لمفاوضات السلام مع روسيا".
وكتب ترامب، وفق ما أوردته الصحيفة البريطانية : "لا أحد يطلب من زيلينسكي الاعتراف بالقرم كأرض روسية، لكن إذا كان يريد القرم، فلماذا لم يقاتلوا من أجلها قبل 11 عامًا عندما سُلّمت إلى روسيا دون إطلاق رصاصة واحدة؟"، محذرًا من أن "الوضع بالنسبة لأوكرانيا مزرٍ"، وأن "زيلينسكي يمكنه تحقيق السلام، أو يمكنه القتال لمدة ثلاث سنوات أخرى قبل خسارة البلاد بأكملها".