يهدد فرض الاتحاد الأوروبي غرامات ضخمة على عملاقي التكنولوجيا الأمريكيين أبل وميتا، بإشعال حرب تجارية جديدة بين واشنطن وبروكسل في هذا القطاع الحيوي، إذ لجأت الشركتان إلى استدعاء تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمواجهة ما وصفوه بـ"الابتزاز الاقتصادي".
وفرضت المفوضية الأوروبية غرامة قدرها 500 مليون يورو (نحو 540 مليون دولار) على "أبل"، و200 مليون يورو (نحو 216 مليون دولار) على "ميتا"، بالإضافة إلى مطالبتهما بإجراء تغييرات جوهرية في نماذج أعمالهما، بموجب قانون الأسواق الرقمية (DMA) الذي أقر في عام 2022، ويهدف إلى كبح جماح الشركات التكنولوجية العملاقة، بحسب مجلة "بوليتيكو".
تحول مفصلي
وبحسب "بوليتيكو"، فهذه الغرامات الجديدة تعد أول تطبيق عملي لقانون الأسواق الرقمية الأوروبي (DMA) بعد دخوله حيز التنفيذ في 2024، وقد فرضت المفوضية الأوروبية غرامة قدرها 500 مليون يورو على شركة أبل، و200 مليون يورو على شركة ميتا.
تعتبر هذه اللحظة تحولًا مفصليًا في العلاقات التكنولوجية عبر الأطلسي، فيما صرحت كيتي هارباث، المديرة السابقة للسياسات العامة في شركة ميتا، لصحيفة بوليتيكو: "نحن نبدأ الآن في رؤية العجلات تدور على الأرض"، في إشارة إلى أن تأثير القانون الأوروبي أصبح ملموسًا على الشركات الأمريكية.
إستراتيجية التكتل التكنولوجي
وفي خطوة إستراتيجية واضحة، بدأت جماعات الضغط التكنولوجية الأمريكية في وصف هذه الغرامات بأنها "تعريفات جمركية"، في محاولة ذكية لجذب انتباه الرئيس دونالد ترامب المعروف باهتمامه الشديد بقضايا التجارة الدولية.
وقال جويل كابلان، مدير الشؤون العالمية في شركة ميتا، إن غرامة الاتحاد الأوروبي "تفرض فعليًا تعريفة جمركية بمليارات الدولارات على ميتا مع مطالبتنا بتقديم خدمة أقل جودة".
كما وصف كاي حازمي-جبلي، المدير الأول لشؤون أوروبا في مجموعة الضغط التكنولوجية "تشامبر أوف بروجرس"، التي تمولها شركة أبل جزئيًا، الغرامات الجديدة بأنها "تصعيد" في النزاع التجاري عبر الأطلسي.
أكدت هارباث، وفقًا لصحيفة بوليتيكو، أن استخدام كابلان لمصطلح "التعريفات الجمركية" هو "محاولة واضحة جدًا" لربط اللوائح التكنولوجية الأوروبية بحرب ترامب التجارية المتوقعة في عام 2025.
لا تسامح
لم تتأخر استجابة إدارة ترامب، إذ صرح براين هيوز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، للمجلة، واصفًا غرامات الاتحاد الأوروبي بأنها "شكل جديد من الابتزاز الاقتصادي" و"لن تتسامح معه الولايات المتحدة".
وأضاف "هيوز" بلهجة تصعيدية واضحة: "اللوائح خارج الحدود الإقليمية التي تستهدف الشركات الأمريكية وتقوض عملها، وتخنق الابتكار، وتمكّن الرقابة، سيتم اعتبارها حواجز أمام التجارة وتهديدًا مباشرًا للمجتمع المدني الحر"، داعيًا إلى إنهاء "دوامة الموت التنظيمية التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي".
علاقة معقدة
وأشارت بوليتيكو إلى أن علاقة قطاع التكنولوجيا مع ترامب حتى الآن تتسم بالتعقيد والتناقض، فبينما يتقرب الرؤساء التنفيذيون لشركات التكنولوجيا الكبرى علنًا من الإدارة، تواصل إدارة ترامب المضي قدمًا في قضايا مكافحة الاحتكار ضد نفس هذه الشركات.
وقالت هارباث: "بالنسبة لترامب، الأمر يتعلق بما هو في المصلحة الفضلى له ولإدارته.. كل هذه الشركات تحاول فقط القيام بكل ما يمكنها على الهوامش للتأثير على ذلك".
مواقف متباينة
تتخذ الشركات مواقف حذرة في التعامل مع هذه الأزمة، فعندما سُئلت ميتا عمّا إذا كانت تريد من ترامب استهداف قانون الأسواق الرقمية في مفاوضات التجارة القادمة، لم يعلق المتحدث أندي ستون مباشرة، لكنه أشار إلى تقرير صدر عن ممثل التجارة الأمريكي وصف القانون بأنه حاجز تجاري غير جمركي، كما أشار إلى تصريح كابلان بأن ميتا "لن تتردد" في مطالبة إدارة ترامب بالدفاع عن قطاع التكنولوجيا الأمريكي.
وأيضًا، وصف متحدث باسم شركة أبل غرامة الاتحاد الأوروبي بأنها "سيئة لخصوصية وأمان مستخدمينا"، وقال إنها "تجبرنا على التخلي عن تقنيتنا مجانًا"، لكنه رفض التعليق على استخدام القانون كورقة تفاوضية.
آفاق التصعيد
يتوقع المراقبون بحسب بوليتيكو، أن يكون اجتماع فالديس دومبروفسكيس، وزير الاقتصاد الأعلى في الاتحاد الأوروبي، مع وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت محطة مهمة في تطور هذه الأزمة.
ترى هارباث أن الاتحاد الأوروبي قد يحتاج إلى استهداف شركات تكنولوجيا إضافية، ربما بعقوبات أكبر، قبل أن يهدد ترامب الاتحاد الأوروبي بفرض تعريفات جمركية محددة بسبب قانون الأسواق الرقمية.
وأشارت إلى أن البيت الأبيض لن يولي اهتمامًا كافيًا حتى يستهدف الاتحاد الأوروبي شركات مثل منصة إكس المملوكة لإيلون ماسك، التي تجنبت بشكل ملفت غرامات أمس الأربعاء.