في مشهد غير مسبوق من التصعيد العلني بين رأس الحكومة الإسرائيلية ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، انفجر الخلاف إلى العلن وسط إفادات متبادلة أمام المحكمة العليا، تخللتها اتهامات بالفشل، والكذب، وحتى التحريض.
الرد الرسمي من مكتب نتنياهو على إفادة رونين بار حمل لهجة قاسية تكشف عن عمق الشرخ بين القيادة السياسية والجهاز الأمني الإسرائيلي، في لحظة لا تزال فيها إسرائيل تترنح تحت وطأة تداعيات السابع من أكتوبر.
نقطة الانطلاق
أدلى رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار، بإفادته الخطية والشفهية أمام المحكمة العليا، متهمًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسوء الإدارة وبالطلب منه، صراحة، طاعته هو شخصيًا وليس المحكمة، في حال اندلاع أزمة دستورية.
وفي الوقت الذي التزمت فيه الإفادة العلنية حدودًا حذرة، تم تقديم إفادة سرية موازية للمحكمة، كشف بار في نهايتها عزمه الإعلان قريبًا عن موعد تنحيه من منصبه.
رد نتنياهو
في مساء اليوم الاثنين، نشر مكتب نتنياهو ردًا رسميًا مفصلًا وصف فيه إفادة بار بأنها "مليئة بالأكاذيب وتكشف عن إخفاقاته"، دون أن يوضح ما إذا كانت الحكومة ستقدم ردًا قانونيًا رسميًا إلى المحكمة.
واتهم البيان "بار" بالتضليل، وأورد مثالًا من إفادته، حين قال إنه أيقظ السكرتير العسكري لرئيس الوزراء فجر السابع من أكتوبر (الساعة 5:15 بالتوقيت المحلي)، وأوضح مكتب نتنياهو أن السكرتير لم يُوقظ فعليًا إلا في الساعة 6:13 – أي قبل دقائق فقط من بدء الهجوم الذي نفذته حركة حماس، في حين كان بار قد علم بالهجوم منذ أكثر من ثلاث ساعات.
وأضاف البيان هجومًا شخصيًا على بار، واصفًا إياه بـ"أبو الفشل"، واتهمه بأنه الشخص الذي يجب أن يعود إلى منزله، وليس من يوجه الاتهامات للآخرين، واستشهد بتصريح لـ"بار" أدلى به قبل يومين فقط من الهجوم، في 5 أكتوبر، قال فيه "إن تجديد التفاهمات مع حماس على قاعدة الهدوء مقابل التسهيلات يمكن أن يُبقي على الاستقرار في غزة".
إقالة تثير الشكوك
من النقاط الجوهرية التي أثارها الرد الحكومي الإسرائيلي أيضًا، ادعاء بأن نية إقالة بار كانت معلنة منذ نوفمبر 2024، وليس كما صرحت المستشارة القانونية للحكومة بأنها جاءت في فبراير عقب فتح التحقيق في قضية اتهامات جديدة لنتنياهو، وأكد البيان أن "الإقالة لم تكن تهدف لمنع التحقيق، بل العكس التحقيق استُخدم لمنع الإقالة".
وفيما يتعلق بالملف القضائي المعروف باسم "قضية 1000"، رفض مكتب نتنياهو اتهامات بار بأن رئيس الوزراء حاول تأجيل محاكمته، مؤكدًا أن نتنياهو أصر على استمرارية المحاكمة دون تأجيل، ونفى أي محاولة منه لعرقلة المسار القانوني.
شمل بيان مكتب رئيس الوزراء اتهام بار بالفشل في التصدي للتحريض ضد القيادة السياسية، بما في ذلك تهديدات بالقتل لنتنياهو وبعض الوزراء، إضافة إلى ما وصفه بالفشل في منع المتظاهرين من استخدام قنابل صوتية تجاه منزل رئيس الوزراء في قيسارية، ما أسفر – بحسب البيان – عن مقتل أحد حراس الأمن حرقًا وإشعال النيران في المنزل.
اتهامات مضادة
أشار البيان إلى أن نتنياهو ووزراءه لم يطلبوا أبدًا اتخاذ إجراءات غير قانونية ضد المتظاهرين، بل طالبوا بتطبيق القانون بالتساوي، وهو ما لم يتم تنفيذه، وأوضح أن بار رفع تقريرًا خاصًا لنتنياهو حول آلية تعامل الجهاز مع هذه المسألة.
من جانب آخر، ذكرت إفادة بار أن نتنياهو حاول توظيف سلطة الشاباك ضد متظاهرين محتجين، وربط هذا الاتهام بما وصفه بـ"المؤامرات" التي حاكها بار والجهاز الأمني ضده في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر.
بحسب ما أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فقد جرت مفاوضات غير رسمية في الأيام الأخيرة تهدف إلى التوصل لاستقالة طوعية لرئيس الشاباك، دون تدخل من المحكمة العليا، وقد طلب بار من المحكمة العليا تمديد المهلة الزمنية لتقديم إفادته الرسمية حتى اليوم، في خطوة فُهمت ضمن هذا السياق التفاوضي.