تتصاعد المخاوف داخل أروقة الحزب الجمهوري من التداعيات السياسية المحتملة للحرب التجارية، التي أشعلها الرئيس دونالد ترامب، مع تخوف المشرعين الجمهوريين من أن تنقلب سياسات التعريفات الجمركية ضدهم في الانتخابات، إذ يرى هؤلاء المشرعون أن ارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو الاقتصادي قد يطغى على أي إنجازات أخرى للحزب.
دروس تاريخية مقلقة
يستحضر أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون ذكريات مؤلمة من انتخابات عامي 1932 و1982، حين ألحقت الحروب التجارية والتضخم الناجم عنها خسائر فادحة بحزبهم في صناديق الاقتراع.
وصرّح السيناتور الجمهوري ثوم تيليس من ولاية نورث كارولاينا: "في الانتخابات الوطنية، يمكنك العودة إلى عام 1982 حين خسر الجمهوريون نحو 26 مقعدًا في الكونجرس"، وفقًا لصحيفة "ذا هيل" الأمريكية.
وفي تلك الانتخابات النصفية الأولى للرئيس ريجان، تراجع الجمهوريون وسط ارتفاع أسعار الفائدة ونظرة سلبية للناخبين تجاه الاقتصاد.
وتستحضر الذاكرة السياسية الجمهورية انتخابات 1994، حين حصد الحزب 54 مقعدًا إضافيًا في مجلس النواب وثمانية مقاعد في مجلس الشيوخ، بعد أن رفع الرئيس كلينتون الضرائب بتوقيعه على قانون التوفيق بين الميزانية الشامل لعام 1993.
ويشير السيناتور الجمهوري راند بول من ولاية كنتاكي، إلى نموذج أقدم وأكثر خطورة، مذكرًا بأن مؤلفي قانون التعريفة الجمركية سموت-هاولي لعام 1930 - ريد سموت وويليس هاولي - هُزما في انتخابات 1932، ويرى "بول" أن تلك التعريفات فاقمت الكساد الكبير وأضرت بسمعة الحزب الجمهوري لعقود.
ضرائب مُقنعة على المستهلكين الأمريكيين
وينظر غالبية المشرعين الجمهوريين إلى التعريفات الجمركية باعتبارها شكلًا من أشكال الضرائب على المستهلكين الأمريكيين، وقدّرت مؤسسة الضرائب غير الحزبية في تقرير حديث أن تعريفات ترامب ستزيد الإيرادات الحكومية السنوية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 0.56%، وهي أكبر زيادة منذ عام 1993.
وصرّح السيناتور الجمهوري تيد كروز من ولاية تكساس لقناة "فوكس بيزنس": "التعريفات الجمركية هي ضريبة على المستهلكين، وأنا لست من المؤيدين لرفع الضرائب على المستهلكين الأمريكيين".
مهلة 90 يومًا لا تكفي
رغم تنفس المشرعين الجمهوريين الصعداء عندما أعلن ترامب تعليق التعريفات الجمركية المرتفعة على معظم الدول لفترة 90 يومًا، إلا أن الخطر السياسي لم ينتهِ. فقد فرض ترامب تعريفة بنسبة 145% على الصين، التي ردت بدورها بتعريفة 125% على الواردات الأمريكية.
وشهدت أسواق المال تقلبات حادة عقب هذه القرارات، مع ارتفاع مبدئي في أسواق الأسهم تلاه تراجع حاد، الخميس الماضي، وسط قلق مستمر بشأن اتجاه الاقتصاد الأمريكي.
وأثارت عمليات البيع في أسواق السندات قلقًا خاصًا بين المشرعين، إذ ارتفعت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات و30 سنة لتصل 4.59% و4.88% على التوالي، ما يضع ضغطًا تصاعديًا على تكاليف الاقتراض. وبحسب "ياهو فاينانس"، شهد عائد السندات لأجل 30 عامًا أكبر ارتفاع أسبوعي له منذ عام 1982.
تهديد لأقوى أوراق ترامب الانتخابية
وحذّر مسؤول رفيع في مجلس الشيوخ الجمهوري - طلب عدم الكشف عن هويته - من أن ترامب يخاطر بإضعاف قضيته الأفضل في انتخابات، وهي الاقتصاد.
وأظهر استطلاع لمؤسسة "جالوب"، أكتوبر الماضي، تقدم ترامب بفارق 9 نقاط على منافسته آنذاك كامالا هاريس في التعامل مع الاقتصاد، لكن استطلاعًا حديثًا أجرته "إيكونوميست/يوجوف" كشف أن معدل الموافقة على أداء ترامب انخفض بنسبة 5 نقاط مئوية، وسط الاضطرابات التي أحدثتها التعريفات الجمركية.
المزارعون في مرمى النيران
تمثل الحرب التجارية مصدر قلق في الولايات الزراعية، إذ عبّر السناتور الجمهوري مايك راوندز من ولاية ساوث داكوتا عن مخاوفه، قائلًا: "هذا ليس جيدًا لمزارعيّ.. لدينا الكثير من الناس الذين يعتمدون على القدرة على بيع سلعنا حول العالم".
وأوضحت "ذا هيل" أن الصين، الهدف الأكبر لتعريفات ترامب، استوردت سلعًا بقيمة 1.4 مليار دولار من ولاية ساوث داكوتا، عام 2022، مُشكلة 28% من السلع المنتجة في تلك الولاية.
ديمقراطيون يستثمرون وجمهوريون منقسمون
يستغل الديمقراطيون هذه الأزمة، إذ صرّح زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، بأن تعريفات ترامب تدفع البلاد نحو الركود، مضيفًا: "نرى أنها تحرك المؤشر السياسي في جميع أنحاء البلاد لأن الناس لديهم إيمان أقل وأقل بتعامل دونالد ترامب مع السياسات الاقتصادية".
وفي المعسكر الجمهوري، تبرز انقسامات واضحة، فقد عبّرت السناتور سوزان كولينز من ولاية مين، عن معارضتها للتعريفة الجمركية البالغة 25% على كندا، قائلة: "لم أعتقد يومًا أن فرض تعريفات جمركية على دول صديقة وحليفة هو الطريق الصحيح".
وتذكرت كولينز حواراتها مع مستشار ترامب التجاري بيتر نافارو، خلال الفترة الأولى لترامب، حول التأثير السلبي للتعريفات على صناعة جراد البحر في ولايتها، مضيفة: "هناك أوقات تكون فيها التعريفات الجمركية مناسبة. أعتقد أن الصين مثال على ذلك. لكن التعريفات الكندية لا معنى لها".