تشهد الساحة القانونية الأمريكية تحولًا لافتًا في توجهات طلاب كليات الحقوق، الذين باتوا يفضلون الانضمام إلى شركات المحاماة التي تتصدى لقرارات الرئيس دونالد ترامب التنفيذية، رافضين العمل لدى الشركات التي استسلمت لضغوط البيت الأبيض. الأمر الذي رصدته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية متسائلة عن تأثير المواجهة القانونية المتصاعدة بين الرئيس والشركات القانونية الكبرى على مستقبل المهنة.
حرب قانونية تعيد تشكيل سوق العمل
منذ فبراير الماضي، استخدم ترامب أوامر تنفيذية متكررة لمعاقبة شركات المحاماة التي مثلت خصومه السياسيين أو قاضت حلفاءه أو وظفت منتقديه.
وفي المقابل، انقسمت هذه الشركات بين من تحدى هذه الأوامر قضائيًا ومن فضل الخضوع لشروط البيت الأبيض.
حتى الآن، تحدت ثلاث شركات كبرى "بيركنز كوي، ويلمير هيل، وجينر آند بلوك" هذه الأوامر في المحاكم، وحصلت على أحكام قضائية تمنع حرمانها من العقود الحكومية أو تقييد قدرتها على تمثيل العملاء الذين يتعاملون مع الحكومة.
بينما اختارت شركات أخرى إبرام صفقات مع الرئيس تضمنت تخصيص ما يصل إلى 100 مليون دولار في أعمال تطوعية لصالح قضايا تفضلها الإدارة، والتخلي عن سياسات التنوع والمساواة والشمول.
جيل جديد
مع اقتراب فترة التوظيف الصيفية، بدأت تظهر آثار هذه المواجهة على اختيارات طلاب كليات الحقوق، إذ إنه وفقًا لمصادر تحدثت مع "بوليتيكو"، فإن هؤلاء الطلاب يولون اهتمامًا كبيرًا بمواقف الشركات القانونية، حتى إنهم أنشأوا جدولًا إلكترونيًا لتتبع مواقف مختلف الشركات من الأوامر التنفيذية.
يقول بريسون مالكولم، المتخصص في توظيف المحامين ومقره نيويورك: "الشركات التي يفتخر محاموها بالعمل فيها حاليًا ستجذب الطلاب بشكل أكبر، لأن هذا الموقف سينعكس في محادثاتهم مع المرشحين".
وأضاف أحد طلاب كلية الحقوق بجامعة جورجتاون، طلب عدم الكشف عن هويته: "في وقت تتعرض فيه سلطتنا القضائية ونظامنا القانوني للهجوم، من الضروري أن تستخدم هذه الشركات العملاقة أصواتها للتصدي للمتنمرين والحفاظ على نزاهة مهنتنا".
شركات تخسر المواهب الشابة
كانت شركة "بول، ويس" أول شركة كبرى تعقد صفقة مع إدارة ترامب في مارس، تلتها شركات "سكادن آربس"، و"ويلكي فار"، و"ميلبانك". وتشير التقارير إلى أن شركات أخرى تتفاوض حاليًا مع الإدارة.
وفي تصريح لافت، قال ستيفن ميلر، مساعد ترامب، عن التزامات العمل التطوعي التي قدمتها الشركات المستسلمة: "سنقترب قريبًا من مليار دولار"، وذلك أثناء توقيع الرئيس على أمر تنفيذي جديد يستهدف شركة "سوسمان جودفري" التي تعهدت بدورها بالطعن في الأمر قضائيًا.
ورغم الضغوط الاقتصادية الهائلة، فإن الشركات المستسلمة تواجه الآن تحديًا غير مسبوق، إذ أشار شريك في إحدى الشركات المتحدية للأوامر التنفيذية إلى أن بعض طلاب السنة الثالثة، الذين تفصلهم أسابيع قليلة عن التخرج، وكانوا قد حصلوا بالفعل على عروض عمل من شركات استسلمت للرئيس، يعيدون النظر في خياراتهم.
وأضاف: "لم أر هذا يحدث من قبل".
تضامن مهني محدود
بالإضافة إلى الشركات الثلاث التي تقاتل في المحاكم، وقعت أكثر من 500 شركة على مذكرة "أميكس كورياي" دعمًا لشركة بيركنز كوي، معربة عن تضامنها مع زملائها المهنيين ودفاعًا عن سيادة القانون.
إلا أن المذكرة افتقرت لتوقيعات بعض أكبر الأسماء في المهنة، حيث لم توقع سوى 11 شركة من قائمة "فولت 100" التي تضم أكثر الشركات القانونية مرموقة في البلاد.
من بين هذه الشركات الإحدى عشرة، كانت "كوفينجتون آند بيرلينج" الوحيدة المصنفة ضمن أفضل 20 شركة.
يقول أحد المحامين فيها: "عندما يسألني طلاب القانون عن موقف كوفينجتون، يمكنني بكل صدق وحماس أن أقول إننا لا نتفق مع الموقف الذي اتخذته الشركات المستسلمة".
اختيارات مهنية
أثرت هذه المواقف بشكل مباشر على خيارات الطلاب المهنية، إذ تقول إحدى طالبات جورج تاون إنها عدلت قائمة الشركات المفضلة لديها لإعطاء الأولوية للشركات المدافعة عن استقلال القضاء.
وعند اختيار الشركات للمقابلات الصيفية، أدرجت شركة كوفينجتون مرتين في قائمتها الأولى، مخصصة مقابلات قيمة لكل من مكتبي الشركة في نيويورك وواشنطن.
وأوضحت: "أصبح من المهم بالنسبة لي أن أكون في شركة تفعل الشيء الصحيح، حتى لو كان ذلك يعني عدم التواجد بالضرورة في المكان الذي كنت أرغب فيه أصلًا، أريد العمل في بيئة تحترم تنوع الخبرات والخلفيات والثقافات، وتدعم جميع العاملين فيها. بالإضافة إلى ذلك، نحن محامون، وإذا كنا لا ندافع عن سيادة القانون، فلست متأكدة مما نفعله".
تواجه الشركات التي اتخذت مواقف علنية ضد إدارة ترامب سهولة أكبر في التواصل الصريح مع المرشحين من كليات الحقوق، إذ إنه خلال فعالية توظيف حديثة في جامعة جورج تاون، عانى ممثلو الشركات الصامتة من صعوبة في التعبير بوضوح عن موقف جهات عملهم، متجنبين ما وصفه أحد الطلاب بـ"الفيل في الغرفة".
في المقابل، تقول إحدى الطالبات إن محادثتها مع محامٍ من شركة بيركنز كوي كانت صريحة ومباشرة: "سماع أن الموظفين متحدون في الدفاع عن قيم المهنة القانونية هو بالضبط ما جئت إلى كلية الحقوق من أجله".