في وقتٍ تتصاعد ألسنة النار في كل مكان بقطاع غزة، وتعقيد إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين ارتفعت أصواتٌ من قلب جيش الاحتلال الإسرائيلي، لا تُمجِّد القتال بل تُحذّر من انزلاقه نحو هاوية المصالح السياسية.
جنودٌ وضباطٌ حاليون وسابقون في البحرية وسلاح الجو، بينهم أطباء واحتياطيون، قرعوا جرس إنذار في وجه الحرب بأنها لم تعد أداة دفاع بل وسيلة لخدمة أجندات لا تمت بصلة إلى أمن دولة الاحتلال، وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فإن ذلك يكشف الشرخ العميق الذي يشق صفوف الجيش الإسرائيلي والمجتمع برمته.
رسالة الطيارين
في رسالة أثارت جدلًا واسعًا، وقع نحو 950 من جنود وضباط في البحرية الإسرائيلية السابقين، بينهم 60 لا يزالون في الخدمة الفعلية، على بيان يدين استمرار الحرب في قطاع غزة، مؤكدين أن "الحرب تخدم المصالح السياسية والشخصية، لا الأهداف الأمنية". الرسالة التي وُجِّهت مساء الخميس، جاءت في توقيت حساسٍ للغاية، وتشير إلى تنامي مشاعر السخط داخل المؤسسة العسكرية التابعة لدولة الاحتلال.
وبحسب الفحص الذي أجراه جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن أقل من 10% من الموقِّعين هم من الخدمة الفعلية، بينما الأغلبية الساحقة من المحاربين القدامى وأعضاء هيئة التدريس في البحرية، وتراجع عشرات الجنود النظاميين لاحقًا عن توقيعهم، بعد نقاشات مغلقة مع قياداتهم.
لهجة غاضبة
كتب الموقّعون: "نحن مواطنون خدموا كضباط مقاتلين وعملياتيين في البحرية، نشأنا على قيم الجيش الإسرائيلي وأمضينا سنوات في الدفاع عن الدولة، ومن باب المسؤولية الأخلاقية، نشعر بضرورة إسماع صوتنا في هذا الوقت الكارثي"، حسب الرسالة.
الرسالة أشارت إلى أن أهداف الحرب لم تتحقق: "لا المحتجزين أُعيدوا، ولا الأمن استُعيد، تجدد القتال يُعطِّل الإفراج عن المحتجزين، ويُعرّض الجنود والمدنيين للخطر، نرى حكومةً تتصرّف بخفةٍ تُقوِّض ثقة الجمهور وتُثير المخاوف بشأن دوافع القرارات الأمنية".
وبلهجة غاضبة، تحدث البيان عن "سياسة حكومية تمييزية، تعفي فئات كاملة من الخدمة وتُفرغ مبدأ المساواة في العبء من مضمونه"، مطالبًا بوقف القتال واللجوء إلى المسارات الدبلوماسية، دون التضحية بقيم الديمقراطية الإسرائيلية أو بتماسك المجتمع، حسب البيان.
صوتٌ آخر من الداخل
في موازاة رسالة الطيارين، ظهرت رسالة جديدة وقّعها العشرات من أطباء الاحتياط، وطُرحت مساء اليوم ذاته، موجهة إلى وزير الدفاع إسرائيل كاتس، ورئيس الأركان إيال زامير، والمسؤول الطبي العسكري زيفان بار، وجاء في الرسالة: "نطالب بوقف القتال وإعادة المحتجزين فورًا، نحن ضباطٌ طبيون نخدم انطلاقًا من قدسية الحياة وروح قسم الطبيب".
الرسالة أكدت أن استمرار الحرب لا يخدم أهدافها المُعلنة، بل "يُعرّض جنود الجيش الإسرائيلي والمحتجزين للخطر، ويُناقض القيم الطبية والإنسانية التي نحملها".
الاحتلال يهدد الجنود
لم يتأخر الرد الرسمي الإسرائيلي، فأعلن قائد سلاح الجو تومر بار أن "أي جندي احتياطي يوقّع على رسالة معارضة للحرب لن يُسمح له بمواصلة خدمته"، مشيرًا إلى أن الجيش "لا يمكن أن يكون أداةً سياسية أو يُستغل من داخله".
وأكد بيان الجيش أن "الجيش الإسرائيلي يعمل بمعايير مهنية فقط، هدفها تحقيق الأهداف الأمنية، وعلى رأسها إعادة المحتجزين"، وأضاف: "لا يمكن قبول حالة يُشكك فيها الجندي علنًا بقيادته في الوقت الذي يخدم فيه".
لم يتوانَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الرد، قائلاً: "هذه مجموعة متطرفة تسعى لتحطيم المجتمع من الداخل، الرفض هو الرفض، مهما تم تمويهه"، في إشارة إلى الموقعين على الرسائل.
وأضاف مكتبه: "نحن في حالة حرب، وكل تصريح يُضعف الجيش ويقوّي أعداءنا لا يُغتفر، هذه ليست المرة الأولى التي يسعى فيها هؤلاء لتقويض الدولة، حماس فسّرت مواقفهم ضعفًا قبل 7 أكتوبر، واليوم يفعلون الشيء ذاته".
"المتمردون لا يمثلوننا"
وزير الدفاع إسرائيل كاتس شدد على دعمه المطلق لقائد سلاح الجو ورئيس الأركان في التعامل مع هذه "الظاهرة المرفوضة"، قائلًا: "الجيش يخوض حربًا عادلة من أجل إعادة المحتجزين وهزيمة الإرهاب"، حسب قوله.
أما النائب سيمحا روثمان، فذهب أبعد من ذلك، قائلًا: "بعض الموقّعين يجب أن يُطردوا من الجيش، هذا ليس احتجاجًا بل حملة إعلامية تُقوّض سيادة الدولة".
وانضمت إلى هذا الخط حركة "جيل النصر الاحتياطي"، التي تضم آلاف جنود الاحتياط، والتي زعمت أن "ضباطًا فاشلين يستخدمون رتبهم لإرهاب الجيش والمجتمع"، مطالبةً بوقف المعاشات الممنوحة لهم.
أصوات المعارضة
في المقابل، انتقد زعيم المعارضة يائير لابيد الحكومة قائلًا: "إذا كان نتنياهو يرى التمرد حتى في رسالة لا تذكر كلمة تمرد، فليعلن وقف إعفاء اليهود المتشددين من الخدمة، من يدعم التهرب الجماعي لا يملك الحق الأخلاقي لمهاجمة الآخرين".
أما رئيس الحزب الديمقراطي يائير جولان، فوصف نتنياهو بـ"الرافض الحقيقي"، قائلًا: "إنه يرفض الكفاح من أجل المحتجزين، ويرفض تحمّل المسؤولية بعد الكارثة، ويقود الدولة نحو دمار أخلاقي ومدني وأمني".
ومن جانب ذي صلة، أعلنت الشرطة الإسرائيلية، الخميس، اعتقال 23 متظاهرا كانوا يحتفلون في ساحة الأسير في مدينة حيفا المحتلة ورددوا شعارات منددة بإسرائيل وأفعالها التي من شأنها المساس بالسلم العام".
وألقت الشرطة القبض على عدد من المتظاهرين الذين لوحوا بلافتات ورددوا شعارات ضد تصرفات إسرائيل في الحرب على غزة، إضافة إلى ذلك، ذكرت الشرطة أن المتظاهرين "تجاهلوا إعلان الشرطة بشأن أمر بتفريق المظاهرة غير القانونية، فتم اعتقالهم".