لم تكن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المجر زيارة عادية، سواء منذ الإعلان عنها أو بعدها، نظرًا لما توقعه البعض بأن وراءها شيئًا ما، خاصة أن نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت صدر بحقهما مذكرة اعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بعد الحرب الوحشية في قطاع غزة، والفظائع التي تم ارتكابها في حق المدنيين على مدى عام ونصف العام.
وبالفعل صدقت التوقعات بأن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأولى لإحدى دول الاتحاد الأوروبي (المجر) كان لها جانب خفي كشفت عنه صحيفة "هآرتس العبرية"، والتي قالت إن نتنياهو سافر إلى بودابست للقاء رجل يختبئ من الشرطة الإسرائيلية في صربيا المجاورة.
لقاء سري
وقالت الصحيفة العبرية إن أحد الاحتمالات التي لا يمكن استبعادها هو أن نتنياهو سافر إلى بودابست للقاء رجل يختبئ من الشرطة الإسرائيلية في صربيا المجاورة، وهو مستشاره المقرب سروليك أينهورن المطلوب للاستجواب من قِبل الشرطة منذ أشهر بشأن تورطه في القضيتين اللتين تهزان مكتب نتنياهو.
ولفتت الصحيفة إلى أن رحلة نتنياهو للقاء أوربان تستغرق نحو أربع ساعات، ما يعني أنه لو قرر رئيس وزراء إسرائيل لقاء رئيس الوزراء المجري بشكل عاجل، لكان بإمكانه الوصول صباح الخميس والعودة في الليلة نفسها، أو في اليوم التالي، لكنه اختار البقاء لقضاء عطلة نهاية أسبوع فاخرة، وهو ما كان سببًا للبحث حول الهدف من الزيارة.
وأمام تلك الزيارة التي نالت انتقادات واسعة، تزايدت الضغوط على رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان المعروف بسياسته المضادة للاتحاد الأوروبي، بعد تجاهل مذكرة الاعتقال، ثم الانسحاب من المعاهدة الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية، وقبلها تقاربه مع روسيا على غير هوى الاتحاد الأوروبي.
وتحتاج المجر الآن إلى إرسال إخطار مكتوب إلى الأمين العام للأمم المتحدة للانسحاب من المعاهدة، حيث يدخل الانسحاب حيز التنفيذ بعد عام واحد، وفقًا للمادة 127 من نظام روما الأساسي، الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية.
القانون الجنائي الدولي
صرّح المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية: "في زيارة نتنياهو، اتبعت المحكمة إجراءاتها المعتادة بعد إصدار مذكرة التوقيف، وتُذكّر المحكمة بأن المجر لا تزال مُلزمة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية".
وبما أن مذكرة التوقيف صدرت، فيتعين على السلطات المجرية من الناحية الفنية اعتقال نتنياهو وتسليمه إلى المحكمة في لاهاي، على الرغم من أن الدول الأعضاء لا تختار دائمًا تنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
وفي أوروبا، قالت بعض الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية إنها ستعتقل رئيس الوزراء الإسرائيلي إذا وطأت قدماه أراضيها، في حين أعلنت دول أخرى، بما في ذلك ألمانيا، أن نتنياهو لن يُعتقل إذا زارها، لكن وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك قالت الخميس الماضي إن إعلان المجر كان "يومًا سيئًا للقانون الجنائي الدولي".
وأضافت: "لأوروبا قواعد واضحة تُطبق على جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.. لقد أكدتُ مرارًا وتكرارًا أنه لا أحد في أوروبا فوق القانون، وهذا ينطبق على جميع مجالات القانون".
وتعد المجر هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي وافقت على استضافة نتنياهو مع ضمان واضح بأن مذكرة التوقيف الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية لن تُشكّل عائقًا خلال الزيارة.
وتعتبر الولايات المتحدة وروسيا والصين وكوريا الشمالية من بين الدول التي ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي لا تعترف باختصاصها، كما أن إسرائيل ليست جزءًا من المعاهدة.
نتنياهو إلى واشنطن
وعقب زيارة المجر، وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس الأحد، إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، في زيارة رسمية، من المقرر أن يلتقي خلالها وزير الخزانة الأمريكية لبحث ملف فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوم جمركية على إسرائيل ضمن قائمة كبيرة من دول العالم المختلفة.
كذلك متوقع أن يناقش نتنياهو مع ترامب العديد من القضايا الرئيسية، بما في ذلك مفاوضات المحتجزين الجارية مع حماس، والتوترات المحتملة بين إسرائيل وتركيا في سوريا، والجهود المشتركة لمواجهة إيران.