ضربت المجر بمذكرة التوقيف الصادرة في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من قبل المحكمة الجنائية الدولية عرض الحائط، بعد استقباله في زيارة رسمية إلى المجر تستغرق أربعة أيام، وهي المرة الأولى التي يطأ فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرضًا أوروبية، على خلفية اتهامات وجهت له بارتكاب جرائم حرب في غزة التي تجاوزت عامها الأول.
بعد ساعات من إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن مذكرات التوقيف في نوفمبر الماضي، أوضح رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، أنه سيتحدى المحكمة باستضافة نتنياهو، وأنه سيضمن ألا يكون لقرار المحكمة الجنائية الدولية أي أثر في المجر، بحسب صحيفة "ذا جارديان".
الانسحاب من المحكمة
ووقعت المجر على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية منذ إنشائها قبل أكثر من عقدين، حيث وافقت على شرط اعتقال وتسليم أي شخص يواجه مذكرة توقيف إذا وطأت قدمه البلاد، وفي الأيام الأخيرة، أفادت تقارير أن مصادر في حكومة أوربان إمكانية الانسحاب من المحكمة.
أعلنت الحكومة في المجر انسحاب البلاد من المحكمة الجنائية الدولية، وقال رئيس مكتب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان على "فيسبوك" إن "المجر تنسحب من المحكمة الجنائية الدولية، وستتبع الحكومة إجراءات الانسحاب وفقًا للقانون الدولي".
تأتي الزيارة في الوقت الذي صرّح فيه نتنياهو بأن إسرائيل تستولي على الأراضي وتعتزم تقسيم قطاع غزة بعد أسبوعين من إنهاء وقف إطلاق النار، وتجدد القصف ونشر قوات برية في أنحاء الأراضي الفلسطينية التي تعاني من القصف الوحشي.
منذ ذلك الحين، أسفرت الحرب الوحشية على قطاع غزة، عن مقتل أكثر من 50 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.
قرار سياسي
من جانبه قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن الأمن العالمي برمته يواجه تهديدات خطيرة، ونبذل كل ما في وسعنا لحماية مواطنينا من أي تهديدات.
وأشار إلى أن بلاده تولي أهمية كبرى لتعزيز الأمن في المجر وإسرائيل على حد سواء، والتعاون العسكري والاقتصادي المشترك مع إسرائيل في مجالات عدة.
وأضاف أن انسحاب المجر من المحكمة الجنائية الدولية قرار سياسي، قائلًا: "أنا من وقعت وثيقة الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، وسنقدم وثيقة أمام البرلمان للانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، لأنها أصبحت مسيسة".
تعاون مشترك
من جانبه أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العلاقات متميزة بين إسرائيل والمجر في عدد كبير من المجالات، وبدء تطوير تحالف إسرائيلي مجري وتعزيز العلاقات المشتركة.
كما ثمن نتنياهو موقف المجر الداعم لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي، وخطوة المجر الجريئة بالانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية.
وقال إن موقف المجر الداعم لإسرائيل يجب أن تعتمده دول أخرى، لافتًا إلى أن معركة إسرائيل في المنطقة من أجل المصالح المشتركة مع أوروبا، لافتًا خلال كلمته أنهم ملتزمون بإعادة جميع المحتجزين في قطاع غزة، وأن إيران هي المحرك لوكلائها في المنطقة وتمثل مصدر تهديد لإسرائيل وأوروبا.
الرحلة الثانية بعد مذكرة الاعتقال
تُعد هذه ثاني رحلة خارجية لنتنياهو منذ إصدار أوامر الاعتقال بحقه هو ورئيس دفاعه السابق يوآف جالانت، مع رفض إسرائيل اتهامات المحكمة، ووصفتها بأنها ذات دوافع سياسية وتغذيها معاداة السامية.
في فبراير الماضي، سافر نتنياهو إلى الولايات المتحدة وهي، مثل إسرائيل، ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية للقاء دونالد ترامب، وانتهز الرئيس الأمريكي الزيارة لتوقيع أمر تنفيذي سعى إلى فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بسبب تحقيقاتها في تصرفات إسرائيل منذ بدء الحرب الوحشية على القطاع.
وأثارت مسألة تنفيذ أوامر الاعتقال جدلًا واسعًا في الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء السبعة والعشرين - وجميعها موقعة على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، ففي حين أعلنت دول مثل إسبانيا وهولندا وفنلندا تأييدها لأوامر الاعتقال، بحثت بولندا في وقت سابق من هذا العام إمكانية حضور نتنياهو الذكرى الثمانين لتحرير أوشفيتز، بينما صرّح فريدريش ميرز، المستشار المنتظر لألمانيا، الشهر الماضي بأنه وعد بإيجاد طريقة تسمح لنتنياهو بزيارة ألمانيا دون اعتقاله.
هل المجر مجرد بداية؟
وقال المستشار السابق للحكومة الإسرائيلية موشيه كلوغهافت إن نتنياهو، من خلال زيارته للمجر وهي بلد لا يخشى فيه الاعتقال، يمهد الطريق "لرحلاته المستقبلية"، على سبيل المثال إلى ألمانيا.
وفي نهاية شهر فبراير الماضي، وعد المستشار الألماني المحتمل فريدريش ميرز بعقد اجتماع مبكر مع نتنياهو في ألمانيا.
وقال ميرز في اتصال هاتفي إنه أكد لرئيس الحكومة الإسرائيلية أنه لن يتم اعتقاله في ألماني، ومن غير المعقول بالنسبة لي أن رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا لدولة إسرائيل لا يستطيع زيارة ألمانيا".
أوامر الاعتقال المعلقة
بدوره قال متحدث باسم المفوضية الأوروبية في وقت سابق من هذا الأسبوع عن تقارير زيارة نتنياهو، إنه ينبغي على جميع الدول ضمان "التعاون الكامل مع المحاكم، بما في ذلك التنفيذ الفوري لأوامر الاعتقال المعلقة"، وفقًا لموقع بوليتيكو.
وانتقدت جماعات حقوق الإنسان قرار المجر بتجاهل حكم المحكمة في بيان لها، إذ قالت إريكا جيفارا روزاس من منظمة العفو الدولية: "رئيس الوزراء نتنياهو مجرم حرب مزعوم، مُتهم باستخدام التجويع كأسلوب حرب، ومهاجمة المدنيين عمدًا، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قتل واضطهاد وأعمال لا إنسانية أخرى".
وأضاف البيان بأن دعوة المجر تُظهر ازدراءً بالقانون الدولي، وتؤكد أن مجرمي الحرب المزعومين المطلوبين من قِبل المحكمة الجنائية الدولية مُرحَّب بهم في شوارع دولة عضو في الاتحاد الأوروبي".
وفي بيان لصحيفة الجارديان، قالت المحكمة الجنائية الدولية إن الدول الأعضاء لديها التزام قانوني بتنفيذ أحكام المحكمة، وأضافت أنه ليس من مسؤولية الأطراف، بل من مسؤولية المحكمة الجنائية الدولية "تحديد سلامة القرارات القانونية للمحكمة من جانب واحد".