وقف صلاح منصور، كومبارس صامت خلف الفنان إسماعيل ياسين بفيلم "المليونير"، الصادر عام 1950، ليؤدي حركات بهلوانية في مشهد "عنبر العقلاء" الشهير، من أجل لفت الأنظار إليه بالسينما، خصوصًا أن أبناء دفعته من معهد التمثيل ومنهم فريد شوقي وشكري سرحان سبقوه إلى الشهرة، ووضعوا خطواتهم الأولى، بل إن سرحان قدّم بطولة أمام نعيمة عاكف في فيلم "لهاليبو" عام 1949.
10 سنوات قضاها صلاح منصور -الذي تمر اليوم ذكرى وفاته- يُقدم فيها أدوار كومبارس صامت، وشخصيات ثانوية في السينما، رغم إمكانياته الفنية التي أشاد بها كل رفاق جيله، ومنهم شكري سرحان الذي وصفه في أحد الحوارات بأنه الأكثر موهبة، ورغم أنه أيضًا كان يُحقق نجاحًا عبر مسلسلات إذاعية وعروض مسرحية، لكن السنوات العُجاف سينمائيًا انتهت برهان مخرج الواقعية صلاح أبو سيف على صلاح منصور في دور "سليمان" ابن البقال بفيلم "بداية ونهاية"، رافقه رهان آخر على سناء جميل لتجسد دور "نفيسة"، في أولى روايات نجيب محفوظ التي تعرف طريقها إلى السينما.
وبتفاصيل خاصة أضافها صلاح منصور لشخصية "سليمان" نجح في حصد إعجاب زملائه من الفنانين وأيضًا الجمهور والنقاد، وحول ذلك قال المخرج صلاح أبو سيف في حوار قديم: "وجدته يرتدي بالطو فوق الجلباب ويضع مادة لتبدو ياقة البالطو "مُزيتة"، لقد فعل كل شيء ليُعبر بلمسات خاصة عن هذه الشخصية".
المفارقة أن اسم "بداية ونهاية" يتناسب بشكل كبير مع مشواره الفني، إذ كانت البداية الحقيقة من خلال الفيلم وأيضًا بداية لتخصصه في أدوار الشر التي رافقته في كل أعماله إلا قليلا، رغم أنه بشهادة أبناء جيله يُعد فنانًا كوميديًا بامتياز، بل إن صديقه المقرب شكري سرحان قال عنه: "خسرنا فنانًا كوميديًا، لقد كان يتمتع بخفة ظل شديدة".
عزز حضور صلاح منصور بأدوار الشر في السينما تألقه اللافت بدور "العمدة عتمان" في فيلم "الزوجة الثانية"، إخراج صلاح أبو سيف أيضًا الذي لم يتردد في الاستعانة به بعد خلافات على الأجر مع أحمد مظهر، كما أنه كان يريد ممثلًا لا يتمتع بالوسامة حتى يكون مناسبًا لدور العمدة الذي يطمع في زوجة فلاح ويريدها لنفسه، وترفضه من جانبها.
في بعض مشاهد الفيلم تظهر خفة ظل صلاح منصور المُستترة لكنه في الوقت نفسه حافظ على تفاصيل الشخصية، ليؤكد في كل مشهد من العمل أن الطمع يغلب عليها، نرى ذلك في مشهد تناوله الطعام، وأيضًا في طريقة عد الأموال والنظر إليها، حتى في طريقة تناوله للدواء بجشع ليأخذ كل ما تطاله يديه.
باتت أدوار الشر مرادفة لاسم صلاح منصور، خصوصًا مع توهجه ولمساته الإبداعية التي يضيفها بوعي، الأمر الذي أكدت عليه سناء جميل في حوار تلفزيوني قديم مشيرة إلى أنه على النقيض منها يدرك ما يفعله أمام الكاميرا وواعٍ به، لكنها عندما تمثل لا تفعل الأمر نفسه.
اختلفت مدرسة الأداء بين صلاح منصور وسناء جميل، لكن جمعهما أنهما استفادا من قراءة وتلاوة القرآن في أدائهما التمثيلي، فالنجمة الراحلة اتبعت نصيحة أستاذ لها بأن تواظب على قراءة القرآن؛ حتى تُحسن لغتها العربية، أما بطل "القطط السمان" فقد عشق سماع الشيخ مصطفى إسماعيل ليذهب وراءه في كل مكان، بل وأسس رابطة ضمت بعض أصدقائه سمّاها "رابطة محبي مصطفى إسماعيل"، وكان يُلاحظ طريقة تلاوته والمقامات التي يتلو منها ويختزنها لتفيده بعد ذلك في الأداء التمثيلي، إذ قال في تصريحات إعلامية إن ذلك الأمر استفاد منه للغاية.
صلاح منصور الذي حاول خطف الكاميرا أمام إسماعيل ياسين، واصل فعل ذلك باحترافية شديدة في العديد من الشرائط السينمائية أمام نجوم كبار، بعضهم أعلن خوفه منه بالفعل بسبب إجادته لدور الشر، حسبما قال الفنان عمر الشريف عنه في تصريحات عن فيلم "بداية ونهاية"، لذا فإنه استحق تكريمًا خاصًا من الدولة تمثل في حصوله على جائزة الدولة التقديرية ووسام العلوم والفنون، ليرحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 19 يناير عام 1979.