في خطوة تعكس مدى تصاعد التوترات على الساحة الدولية، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسومًا جديدًا يقضي بتجنيد 160 ألف جندي في القوات المسلحة الروسية، وذلك في إطار حملة تجنيد موسعة تُعدّ واحدة من أكبر العمليات العسكرية التي تشهدها البلاد في السنوات الأخيرة.
تأتي هذه الخطوة في وقتٍ حساس من الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تسعى موسكو لتعزيز قواتها وسط متغيرات ميدانية وسياسية معقدة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة بشأن مستقبل الصراع في المنطقة.
خلفية القرار وأبعاده
بحسب ما نقلته وكالة "تاس" الروسية، فإن هذا القرار يأتي كجزء من الجهود المستمرة لتوسيع حجم الجيش الروسي، الذي كان يضم مليون فرد قبل ثلاث سنوات، لكنه بات الآن يقترب من 1.5 مليون جندي.
ويُذكر أن حملة التجنيد الحالية تشمل الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا، وهو ما يمثل زيادة بمقدار 10 آلاف فرد مقارنة بحملة الربيع الماضي، وما يزيد على 15 ألف فرد مقارنة بالسنوات الثلاث الماضية.
تجنيد وسط الحرب
يأتي هذا التوسع العسكري الروسي في وقتٍ تشهد فيه الحرب في أوكرانيا تطورات متسارعة، إذ تعتمد موسكو على جنود من كوريا الشمالية لصدّ الهجمات الأوكرانية في منطقة كورسك، بينما تحقق مكاسب ميدانية في شرق أوكرانيا.
ويُحظر وفقًا للقانون الروسي إرسال المجندين الإجباريين إلى مناطق القتال دون تدريب مناسب، لكن تقارير عدة أفادت بأن بعضهم تعرّض لضغوط للتوقيع على عقود تُفضي إلى نشرهم على الجبهات الأمامية.
وفي أغسطس 2024، تعرض بعض المجندين لهجوم مفاجئ شنّته القوات الأوكرانية في كورسك، ما أثار الجدل حول مدى التزام الحكومة الروسية بعدم إرسال المجندين إلى القتال، في المقابل، تواصل القوات الروسية قصف مواقع أوكرانية، وخصوصًا في منطقة بوكروفسك في دونيتسك، ما يعكس استمرار المعارك رغم المساعي الدبلوماسية.
مساعٍ أمريكية لوقف الحرب
وسط التصعيد العسكري، تستمر الجهود الدبلوماسية لمحاولة إنهاء النزاع، ومن المتوقع أن يزور كبير المفاوضين الروس، كيريل دميترييف، واشنطن هذا الأسبوع للقاء مسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
ووفقًا لمصادر أمريكية نقلت عنها "سي إن إن"، فإن هذه المحادثات تهدف إلى تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين، لكنها تواجه عقبات عدة، أبرزها استمرار موسكو في فرض شروط إضافية، مثل رفع العقوبات الأمريكية، مقابل وقف إطلاق النار.
وفي سياق متصل، لم يرفض بوتين فقط دعوة ترامب الأخيرة لوقف فوري لإطلاق النار، بل أضاف شروطًا أخرى تتعلق بوقف القتال في البحر الأسود، ما يعكس تباين المواقف بين الطرفين حول إنهاء الحرب.
انفتاح روسي على المفاوضات
رغم تصاعد حدة النزاع، أكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن بوتين منفتح على محادثات السلام مع واشنطن، مشيرًا إلى أن روسيا والولايات المتحدة تعملان على أفكار تتعلق بالتسوية الأوكرانية، رغم غياب تفاصيل دقيقة حول هذه الجهود، وأوضح بيسكوف أن العلاقات بين البلدين شهدت أضرارًا جسيمة خلال الإدارة الأمريكية السابقة، لكن العمل جارٍ لإعادة بنائها.
في خطوة مفاجئة، اقترح الرئيس الروسي وضع أوكرانيا تحت إدارة مؤقتة برعاية الأمم المتحدة لتنظيم انتخابات جديدة، لكن هذا المقترح لم يُطرح رسميًا في المحادثات مع ترامب، وفقًا لما أوردته صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، ورفضت الولايات المتحدة الفكرة، مؤكدة أن النظام السياسي في أوكرانيا تحدده قوانينه الداخلية.
وفي الوقت الذي يواصل فيه القادة الأوروبيون، بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة، دعمهم لأوكرانيا، تبقى احتمالات التسوية السلمية بعيدة المنال، خصوصًا مع استمرار موسكو في وضع شروط إضافية لوقف الحرب.
استمرار المعارك
رغم إعلان البيت الأبيض عن اتفاق مؤقت بين أوكرانيا وروسيا لوقف إطلاق النار في المجال البحري والبنية التحتية للطاقة، إلا أن الجانبين تبادلا الاتهامات بخرق الاتفاق.
ووفقًا للجيش الأوكراني، فإن الهجوم الروسي على بولتافا أظهر استمرار موسكو في التصعيد العسكري، فيما أكد الكرملين أن القوات الأوكرانية لا تلتزم بتوجيهات قيادتها.