فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رسومًا جمركية جديدة على الصلب والألومنيوم، ما أثار موجة من ردود الفعل العالمية المتباينة، إذ إنه بعد عودته للبيت الأبيض استأنف سياساته الحمائية بقوة، واضعًا شركاء الولايات المتحدة التجاريين في مواجهة خيارين صعبين، هما أما الرد بالمثل أو محاولة التفاوض، وبتجربتين متناقضتين أصبحت كندا والمكسيك نموذجين يدرسهما قادة العالم بعناية لاختيار الاستراتيجية الأمثل في مواجهة السياسات الاقتصادية الأمريكية الجديدة، حسبما كشفت صحيفة "بوليتيكو".
استراتيجيتان متباينتان
وفقًا للصحيفة الأمريكية، اختارت كندا نهج المواجهة المباشرة مع البيت الأبيض عبر فرض رسوم جمركية انتقامية فورية، ما أدى إلى رد فعل أمريكي عنيف، إذ هدد ترامب بمضاعفة الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم الكندي فورًا، خاصة بعد قرار مقاطعة أونتاريو زيادة رسوم صادراتها من الكهرباء إلى الولايات المتحدة.
في المقابل، اتخذت المكسيك موقفًا أكثر هدوءًا وتريثًا، إذ أكدت رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم، أن بلادها ستؤجل أي رد انتقامي حتى أبريل، محاولة كسب الوقت للتفاوض. وبحسب أرتورو ساروخان، السفير المكسيكي السابق لدى الولايات المتحدة، فإن المكسيك تعتقد أن "المواقف الأكثر عدوانية من قبل الاتحاد الأوروبي وكندا في الاستجابة الفورية بالرسوم التعويضية هي مواقف غير مثمرة".
بين المواجهة والدبلوماسية
اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفًا وسطًا، مُعلنًا عن خطة انتقامية من مرحلتين، ستبدأ في الأول من أبريل، تغطي واردات أمريكية بقيمة 28 مليار دولار.
وأثار هذا القرار غضب ترامب الذي هدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 200% على جميع المنتجات الكحولية القادمة من دول الاتحاد الأوروبي.
أما بريطانيا، فقد فضلت النهج الدبلوماسي، إذ قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إن بلاده "ستبقي جميع الخيارات على الطاولة"، لكنه أرسل رئيس التجارة جوناثان رينولدز، إلى واشنطن للتفاوض على "اتفاقية اقتصادية أوسع" بدلًا من الرد المباشر بالمثل.
الاعتدال والتريث
اتبعت الصين استراتيجية مشابهة للمكسيك، متخذة موقفًا معتدلًا ومنحت ترامب فرصة للتفاوض قبل اتخاذ إجراءات انتقامية.
وبينما بدأت بكين في الرد على رسوم الـ10% التي فرضها ترامب على صادراتها بحجة مكافحة تهريب الفنتانيل، فإنها لم ترد على رسوم الصلب والألومنيوم الأخيرة.
وتشير التحليلات إلى أن بكين تتطلع لصفقة مماثلة لاتفاقية 2020 التي وقعتها مع إدارة ترامب الأولى.
وعلى نفس المنوال، اختارت اليابان وأستراليا والبرازيل عدم الرد بالمثل، وفضلت السعي للحصول على إعفاءات أو فتح قنوات التفاوض.
المواجهة أم التعاون؟
يلخص ويليام راينش، وكيل وزارة التجارة الأمريكية السابق، المعضلة التي تواجه قادة العالم، قائلًا: "هناك نقاش مستمر، وهو هل من الأفضل التذلل وتقبيل الخاتم أم من الأفضل الوقوف في وجه المتنمر؟، لقد نجح كلاهما في بعض الأحيان وفشل كلاهما في أحيان أخرى".
وبينما تحاول كندا والاتحاد الأوروبي الآن تخفيف التوتر عبر فتح قنوات الحوار مع المسؤولين الأمريكيين، فإن التحدي الأكبر يتمثل في كيفية التعامل مع تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية "متبادلة"، في الثاني من أبريل، التي قد تصيب جميع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
محاولات التهدئة وآفاق الحل
على الرغم من التصعيد المتبادل، بدأت بعض مؤشرات التهدئة تظهر، إذ التقى وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك، المسؤولين الكنديين في اجتماع وصفه رئيس وزراء أونتاريو، دوج فورد، بأنه "خفّض درجة الحرارة" بين الجارين، مشيدًا بـ"لوتنيك" كـ"مفاوض ماهر"، وفقًا لـ"بوليتيكو".
ودعا مسؤول التجارة في الاتحاد الأوروبي ماروش شيفكوفيتش نظيريه الأمريكيين للحوار، مؤكدًا أنه "لا يزال هناك وقت للولايات المتحدة لتسوية هذا الأمر، دون الاضطرار إلى المرور بالألم غير الضروري للإجراءات والإجراءات المضادة".