الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مدافع الحرب أم نمط الرفاهية.. معضلة ماكرون في طريق زيادة الإنفاق الدفاعي

  • مشاركة :
post-title
الرئس الفرنسي إيمانويل ماكرون

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في ظل تنامي التهديدات الروسية وانسحاب الولايات المتحدة التدريجي من أوروبا تحت قيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يسعى نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، جاهدًا لتعزيز الإنفاق العسكري للبلاد، ما يضع فرنسا أمام معضلة حقيقية بين الحفاظ على نظام الرفاهية الاجتماعية الذي تشتهر به والاستجابة للتحديات الأمنية المتزايدة؛ مما أثار جدلًا واسعًا بين الأحزاب السياسية المُختلفة.

خطة ماكرون الطموحة

كشفت صحيفة "بوليتيكو" عن أن ماكرون يطمح لرفع الإنفاق العسكري الفرنسي من 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي حاليًا إلى أكثر من 3%، ووفقًا لتقديرات وزير القوات المسلحة الفرنسي، سيباستيان ليكورنو، ستحتاج فرنسا إلى ميزانية عسكرية سنوية تقارب 100 مليار يورو، أي بزيادة تبلغ حوالي 30 مليار يورو سنويًا، عمّا كان متوقعًا في قانون التخطيط العسكري الذي تم إقراره في عام 2023.

ماكرون، بحسب ما تشير الصحيفة، وضع خطًا أحمر واضحًا، وهو لا زيادة في الضرائب لتمويل هذه الزيادة في الإنفاق، ما أثار مخاوف واسعة بين أحزاب المعارضة والنقابات من أن الإنفاق الاجتماعي سيكون ضحية لتعزيز المجهود الدفاعي، وأن خطاب "اقتصاد الحرب" قد يُستخدم كذريعة لتمرير إجراءات تقشف غير شعبية.

برلمان مُنقسم

على الرغم من أن الرئيس الفرنسي يتمتع بسلطات واسعة في مجال السياسة الدفاعية، فإن البرلمان هو من يتحكم في الميزانية، لكن الصحيفة ترجع المشكلة الأساسية التي تواجه ماكرون إلى أنه لا يملك أغلبية في البرلمان الفرنسي المُنقسم، حيث لا يسيطر أي حزب أو تحالف على أغلبية المقاعد.

ووفقًا لما نقلته "بوليتيكو" عن مشرع مؤثر في المجموعة الاشتراكية -وهي شريك رئيسي للحكومة في مفاوضات الميزانية- رفض ذكر اسمه: "لن ننجرف وراء خطاب اقتصاد الحرب الذي يعلق كل شيء آخر، إنها مخاطرة قائمة".

أحد الخيارات لتعزيز الإنفاق العسكري بسرعة هو إعادة فتح ميزانية العام الحالي وتعديلها، إلّا أنها استغرقت شهورًا لتمريرها عبر البرلمان وكلفت رئيس الوزراء السابق منصبه.

جدير بالذكر أن الميزانية الحالية تضمنت تخفيضات في الإنفاق وزيادات ضريبية بقيمة 53 مليار يورو؛ تهدف إلى خفض العجز الفرنسي المتصاعد، والذي وصل إلى 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024.

احتجاجات نقابة CGT العمالية
السلاح أم الرفاهية الاجتماعية؟

تشير "بوليتيكو" إلى أن جميع الدول الأوروبية تزيد من إنفاقها الدفاعي بشكل كبير، وكلها تواجه تحديات مماثلة في إيجاد الأموال اللازمة للقيام بذلك، إلّا أنه في يناير الماضي، دعا الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، الدول الأوروبية إلى إعادة توجيه "جزء صغير" من الإنفاق على المعاشات والصحة والضمان الاجتماعي إلى الجيش، لكنه واجه رفضًا واسعًا حتى الآن، من دول مثل إيطاليا وحتى تلك القريبة من روسيا مثل ليتوانيا.

وفي فرنسا، يمكن أن تثير أي محاولة لتقليص الرفاهية احتجاجات واسعة، خاصة أن محاولات ماكرون السابقة لتعديل شبكات الأمان الاجتماعي، وخاصة نظام المعاشات، قوبلت باحتجاجات جماهيرية وإضرابات.

مواقف الأحزاب السياسية

اتهم لوران جاكوبيلي، النائب عن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، ماكرون بـ"دفع الإنفاق إلى حد استخدام مأساة حرب أوكرانيا لتبرير تدمير اجتماعي مستقبلي وعجز هائل في الميزانية".

وأعربت مارين لوبان، مرشحة التجمع الوطني للرئاسة، لصحيفة "لو فيجارو"، عن قلقها من أن ماكرون سيزيد الدين الفرنسي لتمويل طموحاته الدفاعية.

أحزاب المعارضة اليسارية والنقابات العمالية الفرنسية تشارك هذه المخاوف أيضًا، فهي تفضل زيادة الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى بدلًا من تخفيض بنود الميزانية الأخرى.

قالت صوفي بينيه، الأمينة العامة لنقابة CGT العمالية، لقناة فرانس 2: "علينا وقف حالة الذعر التي يجري تثبيتها في أذهان العمال، وترسيخ فكرة أننا يجب أن نقلص حقوقنا الاجتماعية لتمويل الإنفاق العسكري".

إشارات حكومية متضاربة

حتى داخل الحكومة، يبدو أن النقاش غير محسوم، إذ صرح رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو بأنه سيقدم "في الأيام القادمة" مزيدًا من المؤشرات حول خطط الحكومة الفرنسية لمعالجة الإنفاق العسكري.

وأضاف: "الاهتمام بدفاع البلاد هو أولوية مطلقة، لكننا لا نستطيع تجاهل جميع المشاكل الأخرى".

وأشار رئيس الوزراء الفرنسي إلى أن إيجاد حل حول كيفية تمويل النفقات العسكرية قد يستغرق ما يصل إلى شهرين.

في غضون ذلك، قدم أعضاء مجلس الوزراء رسائل متضاربة، إذ طرح وزير الاقتصاد إريك لومبارد، فكرة زيادة الضرائب على الأثرياء واستبعد خفض الإنفاق الاجتماعي، بينما انتقد وزير أوروبا بنيامين حداد مقترحات رفع الضرائب، وقال إن "العمل أكثر" قد يوفر "هامشًا للمناورة" في الميزانية.

أما ليكورنو فقال إن الدولة يجب أن تعيد التركيز على ما يراه مهامها الأساسية - "الدفاع والشرطة والعدالة" - لتوفير المال.

كما طرح بايرو ولومبارد فكرة قرض وطني يوم الجمعة كخيار للتمويل.