في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية والتحولات الكبرى التي يشهدها العالم، يبرز التعاون الاقتصادي بين الدول العربية والصين كأحد العوامل الأساسية التي تُسهم في تحفيز التنمية المستدامة وتوسيع أفق الاستثمارات. هذا وأعلنت بكين خلال الدورتين السنويتين (المؤتمر الوطني لنواب الشعب والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي) عن دعم الصين لبعض المبادرات العربية الرامية إلى التنمية وزيادة الاستثمارات في بلدان أخرى. وفي حديث حصري مع مجموعة من الخبراء لموقع قناة "القاهرة الإخبارية"، يكشفون خلاله عن فرص استثمارية واعدة وكيفية استفادة الدول العربية من هذه الشراكات طويلة الأمد.
دور "الجنوب العالمي" في الاقتصاد
بالأرقام والإحصائيات قال سون جانج، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان، في تصريحاته الخاصة لـ"القاهرة الإخبارية"، إن الدول في "الجنوب العالمي"، بما في ذلك مصر والدول العربية، أصبحت تمثل 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و70% من السكان، موضحًا أن مساهمة هذه الدول في نمو الاقتصاد العالمي وصلت إلى 80%، ما يعكس التحول الكبير في مركز ثقل النمو الاقتصادي العالمي من "الشمال العالمي" إلى "الجنوب العالمي"، مضيفًا أن صعود دول الجنوب يمثل فرصة تنموية كبيرة للصين، حيث تُعتبر الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية وأكبر مستورد للطاقة من هذه الدول.
وأشار "سون" إلى أن السوق العربية تحمل إمكانيات هائلة، وأن العديد من الدول العربية تسعى إلى تحقيق تحول اقتصادي يشمل تحديث الصناعة والتحول الرقمي. وهذا يفتح المجال أمام الشركات الصينية للاستثمار والمساهمة في هذه التحولات الكبرى. مشددًا على أن الدول العربية ترحب بالاستثمارات الصينية وتعتبرها فرصة للنمو المشترك.
مستقبل التعاون الصناعي والتجاري
وبنظرة تفاؤلية مستقبلية قال وانج جوانج دا، أمين عام مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية في تصريحات خاصة لموقع "القاهرة الإخبارية"، إن هناك تزايدًا ملحوظًا في عدد الشركات الصينية التي تتجه إلى مصر والدول العربية الأخرى، ما يعكس تطورًا تاريخيًا في التعاون بين الطرفين.
وأكد "وانج" أن هذه الزيادة في الاستثمارات تأتي نتيجة للعلاقات الودية والمبنية على الاحترام المتبادل التي تربط الصين بالدول العربية، مشيرًا إلى أن الصين والدول العربية تدعمان مبادئ "العدالة" و"الإنصاف" و"المساواة"، وهي مبادئ تختلف تمامًا عن العلاقات التي تتبعها بعض القوى الغربية.
كما أوضح "وانج" أنه مع استمرار هذه العلاقات الطيبة، من المتوقع أن يرتفع حجم التجارة بين الصين والدول العربية بشكل كبير، ما سيعزز من قدرة الطرفين على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، مؤكدًا أن التعاون الصناعي بين الصين والدول العربية سيتواصل في إطار مبادرة "الحزام والطريق" ويستمر في تطوير الجودة والابتكار.
قمة الصين-الدول العربية 2026
واختتم "وانج" حديثه بالإشارة إلى أن القمة الثانية بين الصين والدول العربية المقررة في عام 2026 ستسهم في تعميق مجتمع المصير المشترك بين الجانبين، وهذه القمة ستكون فرصة جديدة لبحث سبل تعزيز التعاون بين الصين والدول العربية في مختلف المجالات، وتوسيع آفاق الشراكة الاستراتيجية بينهما.
فيما أشار إلى أن التعاون الاقتصادي والتجاري المتزايد بين الصين والدول العربية يعكس مرحلة جديدة من الشراكات الاستراتيجية التي ستعود بالنفع على شعوب المنطقة، وتدفع نحو تحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
تعزيز العلاقات الاستراتيجية
أما وانج شياو يو، الباحثة المشاركة في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان، فأشارت إلى أن إنشاء الشركات والمشروعات في مصر ودول عربية أخرى يعد تجسيدًا للتطور العميق في التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر وبقية الدول العربية، مؤكدة أن هذا التعاون يعكس التزام الصين القوي بتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الدول العربية، لا سيما بعد انضمام مصر رسميًا إلى مجموعة البريكس في يناير 2024، ما شكّل خطوة مهمة نحو تعميق الروابط الاقتصادية بين الطرفين.
وتابعت "وانج" أن الصين ومصر سبق وأصدرا في مايو 2024 بيانًا مشتركًا لتأكيد الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما، معلنين عام 2024 "عام الشراكة الصينية المصرية". كما تم وضع خطة تنفيذية للأعوام 2024-2028 تهدف إلى تعزيز توطين الصناعات، ونقل التكنولوجيا، وزيادة الاستثمارات في مجالات حيوية مثل السيارات الكهربائية، والأجهزة الإلكترونية، والطاقة الشمسية. ويهدف التعاون أيضًا إلى تعزيز التوازن التجاري وتسوية المعاملات باستخدام العملات المحلية، وهو ما يعكس رؤية مشتركة لمستقبل اقتصادي مستدام.
واستكملت الباحثة الصينية حديثها موضحة: "في ديسمبر من العام نفسه، أكد وزيرا خارجية الصين ومصر في بيان مشترك التزامهما بتطبيق التوافقات التي تم التوصل إليها بين القادة. كما تم التأكيد على أن "عام الشراكة الصينية المصرية" سيكون فرصة لتعميق التعاون في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، وربط هذه المبادرة برؤية مصر 2030، وهو ما يعزّز جهود البلدين المشتركة في تطوير الاقتصاد الإقليمي".
واختتمت وانج شياو يو حديثها بأن هذا التوجه يعكس اهتمام الصين الاستراتيجي طويل المدى بتعزيز التعاون مع الدول العربية، مشيرة إلى أن هذا التعاون لا يقتصر فقط على تعزيز التجارة والاستثمار، بل يمتد أيضًا إلى تحقيق تكامل أكبر في سلاسل الإمداد العالمية، ما يسهم في تنمية اقتصادات الدول العربية وتنوعها. كما يدفع بالعلاقات الصينية العربية إلى مستويات أعلى من التعاون المثمر في مجالات متعددة.