خلال الحرب التي استمرت ثلاث سنوات مع روسيا، زوّدت الولايات المتحدة حليفتها أوكرانيا بكل المعلومات اللازمة للدفاع وشن الهجمات في بعض الأحيان، بدءًا من إشارات الاستخبارات وصور الأقمار الصناعية، وحتى بيانات الاستهداف المستخدمة لضرب المواقع الروسية.
والآن، بعد أن قرّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قطع شريان الاستخبارات عن كييف، من المرجح أن تقع المهمة على عاتق قوى استخباراتية أخرى داخل حلف شمال الأطلسي، أهمها بريطانيا وفرنسا وإلى حد ما ألمانيا، لتعويض هذا النقص.
ومن غير المرجّح أن تتمكن أجهزة الاستخبارات الأوروبية من سد الفراغ، والقدرة على مجاراة نطاق وحجم مجتمع الاستخبارات الأمريكي المترامي الأطراف، أو كما ذكر مسؤول أوروبي مطلع على قدرات الحلفاء لصحيفة "بوليتيكو": "لست متأكدًا من أن الدول الأوروبية قادرة حقًا على سد هذه الفجوة".
الاستخبارات الأمريكية
يتميز مجتمع الاستخبارات الأمريكي بحجمه الضخم، إذ يتألف من 18 وكالة فيدرالية تعمل بشكل منفصل للقيام بأنشطة استخباراتية لدعم السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة، ويضم 9 وكالات ذات طبيعة عسكرية تتبع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، مع وكالتين مستقلتين ترتبطان مباشرة بالرئيس، و7 أجهزة مدنية تتبع بعض الوزارات السيادية.
وتتفوق الاستخبارات الأمريكية بشكل كبير على نظرائها من الأوروبيين، وخاصة في مجالات تكنولوجيا الأقمار الصناعية والقدرة التحليلية، إضافة إلى العدد الهائل، حيث تشير بعض الأرقام إلى أن هذا المجتمع الاستخباراتي يضم في عضويته نحو 1271 منظمة حكومية و1931 شركة خاصة، تنتشر في نحو 10 آلاف موقع داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وبينما لا تتوفر أرقام دقيقة عن العدد الإجمالي لعملاء هذه الوكالات، لكن بعض الأرقام أشارت إلى نحو 854 ألف موظف يحملون تصاريح سرية لدعم نشاطات الوكالات المنضوية تحت عضوية هذا المجتمع الاستخباراتي.
ونقلت "بوليتيكو" في نسختها الأوروبية عن جيم تاونسند، الذي شغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون أوروبا وحلف شمال الأطلسي أثناء إدارة أوباما: "إن الأمر يتعلق حقًا بالعدد.. لدينا المزيد من المحللين والمزيد من الأنظمة المتطورة".
وساد الارتباك في كييف مع قطع العون الأمريكي، حيث نُسجت العلاقة الاستخباراتية الأمريكية الأوكرانية بعناية على مدى عقد من الزمان، بينما ناقش حلفاء الناتو كيفية التعامل مع إعلان الولايات المتحدة عن وقف تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا.
تأثير التوقف
أمس الجمعة، قامت شركة الأقمار الصناعية الأمريكية "Maxar Technologies"، وهي واحدة من أبرز مقدمي صور الأقمار الصناعية التجارية لأوكرانيا، بحجب الوصول إلى خدماتها التي تستخدمها القوات الأوكرانية لدراسة تضاريس ساحة المعركة والتخطيط لضربات على المواقع الروسية.
وفي بيان، قالت جيا دي هارت، المتحدثة باسم الشركة، إن الحكومة الأمريكية علقت وصول أوكرانيا إلى برنامج Global Enhanced GEOINT Delivery الذي يتم توفيره بموجب عقد مع الحكومة الأمريكية.
وبدون الاستخبارات الأمريكية، فإن الأوكرانيين لديهم معرفة أقل بكثير في الوقت الحقيقي عن التشكيلات العسكرية الروسية وتحركاتها ولوجستياتها.
وينقل التقرير عن ميكولا بيليسكوف، المحلل في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية في أوكرانيا: "لدينا الآن معلومات أقل حول ما يحدث على الجانب الآخر من خط المواجهة".
وأضاف: "هناك بعض قدراتنا المحلية من مصادر استخباراتية بشرية، لكن الاستخبارات الأمريكية كانت ذات قيمة كبيرة في إبقائنا على اطلاع".
وفيما تشعر أوكرانيا بقلق خاص إزاء أي انقطاع في التحذيرات بشأن الهجمات الصاروخية الروسية، والتي تعتمد على معلومات استخباراتية عسكرية من الأقمار الصناعية، قالت النائبة الأوكرانية ماريانا بيزوهلا، التي كانت حتى وقت قريب عضوًا في لجنة الدفاع والاستخبارات البرلمانية: "سيؤثر هذا على مدننا وقد يؤدي إلى دمار شامل".
أيضًا، توقف تبادل المعلومات الاستخباراتية من شأنه أن يحرم الجيش الأوكراني من بيانات الاستهداف عند إطلاق صواريخ HIMARS التي تزودها بها الولايات المتحدة.
وقال بيليسكوف: "لا يزال بوسعنا إطلاقها، لكننا نطلقها بشكل نصف أعمى".
عيون الحلفاء
تنقل الصحيفة عن مصدر أوروبي أن أعضاء الناتو ليسوا محظورين من تبادل بعض المعلومات الاستخباراتية الأمريكية مع أوكرانيا "على الرغم من أن مثل هذا التبادل قد يكون محدودًا للغاية، حيث لا يريد الحلفاء تعريض العلاقات القائمة مع واشنطن أو بعضهم البعض للخطر".
بينما أشار أحد مسؤولي حلف الأطلسي إلى أن تعليق الولايات المتحدة لشحنات الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا يوصف للحلفاء بأنه إجراء مؤقت إلى أن ترى واشنطن بعض التحرك في المحادثات لإنهاء الحرب.
ولفت المسؤول بالحلف إلى أنهم لا يتعرضون لأي ضغط من فريق ترامب لتقليل أو تقليص عملهم مع أوكرانيا، سواء فيما يتعلق بتبادل المعلومات الاستخباراتية أو شحنات الأسلحة.
ومع ذلك، ذكرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، الأربعاء الماضي، أن واشنطن شددت على لندن بالتوقف عن مشاركة المعلومات الاستخباراتية الأمريكية التي تم السماح لها سابقًا بمشاركتها مع أوكرانيا.
وفي وقت سابق، قال وزير القوات المسلحة الفرنسي سيباستيان ليكورنو إن الاستخبارات الفرنسية "ذات سيادة"، وإن بلاده ستواصل تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، دون تقديم تفاصيل عن نوع المعلومات الاستخباراتية التي تتقاسمها باريس مع الأوكرانيين.
وأثار توقف تبادل الاستخبارات تساؤلات طويلة الأجل في أوروبا حول ما إذا كانت القارة العجوز قادرة على الاستمرار في الاعتماد على الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي لدعم أمنها.
وأمس الجمعة، نقلت "بوليتيكو" عن كونستانتين فون نوتز، رئيس لجنة الرقابة على الاستخبارات في البرلمان الألماني، دعوته إلى إنشاء شبكة تجسس أوروبية، محذرًا من أن القارة لم يعد بإمكانها الاستمرار في الاعتماد على الدعم الاستخباراتي الأمريكي.
وقال: "نحن بحاجة إلى صيغة أوروبية للتعاون الاستخباراتي -التي يمكن أن نطلق عليها "عيون اليورو"- لضمان قدرة الدول القوية على تبادل المعلومات بسرعة وأمان على أسس قانونية واضحة".