يطرح موسم دراما رمضان 2025 مجموعة من الأعمال التي لا تكتفي بتقديم المتعة والترفيه فحسب، بل تتناول قضايا اجتماعية تعكس هموم المجتمع العربي. وفي صدارة هذه الأعمال، تأتي مسلسلات تقودها نجمات بارزات، يقدمن قصصًا واقعية تعكس تحديات العصر، مثل التحرش بالأطفال، الجرائم الإلكترونية، وحقوق المرأة، لتلعب دورًا مهمًا في إلقاء الضوء على مشكلات حقيقية، ما يجعلها أكثر تأثيرًا في وجدان المشاهدين.
تصدر النجمات مشهد القضايا الاجتماعية الجريئة، يمثل نقلة نوعية في المحتوى الدرامي، إذ يقدمن أعمالًا تسلط الضوء على قضايا تلامس الواقع وأثارت جدلًا مجتمعيًا واسعًا. ومع تنوع المعالجات الدرامية، يبقى الرهان على مدى نجاح هذه الأعمال في تقديم رسائلها بواقعية وعمق، بعيدًا عن الإثارة المفتعلة، لتظل الدراما انعكاسًا حقيقيًا للواقع، وشريكًا أساسيًا في تشكيل الوعي المجتمعي.
التحرش بالأطفال
يُعد مسلسل "لام شمسية"، بطولة أمينة خليل، من أبرز الأعمال التي تسلّط الضوء على قضية التحرش بالأطفال، إذ تقدم الكاتبة مريم نعوم رؤية درامية تطرح هذه المشكلة بأسلوب جريء، تتناول من خلاله خطورة تعرض الأطفال للتحرش من داخل الدائرة الصغيرة التي يثق بها الأهل. كما يتطرق العمل إلى قضايا التنمر وتأثيراته السلبية على نفسية الطفل؛ ما يجعله دراما توعوية ذات بُعد اجتماعي عميق تحت قيادة المخرج كريم الشناوي.
المسلسل يشارك في بطولته أحمد السعدني، محمد شاهين، يسرا اللوزي، وصفاء الطوخي.
الوجه المظلم للإنترنت
تخوض الفنانة ريهام حجاج تجربة درامية مختلفة من خلال مسلسل "أثينا"، الذي يتناول قضية "الدارك ويب" والجرائم الإلكترونية، وهي من التحديات المتزايدة في العصر الرقمي. إذ تجسد ريهام حجاج دور "ريهام صبري"، وهي مراسلة صحفية تتعرض لإصابة خلال تغطية حرب إقليمية، فتضطر للحصول على إجازة إجبارية، وخلالها تكتشف محاولة شقيقتها الانتحار بعد تعرضها لابتزاز إلكتروني عبر الإنترنت.
يسلط العمل الضوء على مخاطر الجرائم الإلكترونية وكيفية اختراق خصوصية الأفراد وتهديدهم، مما يضيف بعدًا تشويقيًا للقضية المطروحة، ويكشف عن عالم غامض يهدد الأمان الرقمي للأفراد.
المسلسل يشارك في بطولته أحمد مجدي، سوسن بدر، سلوى محمد علي، محمود قابيل، وتأليف محمد ناير وإخراج يحيى إسماعيل.
معركة الكد والسعاية
في عمل درامي مستوحى من قضايا واقعية، تقدم النجمة روجينا مسلسل "حسبة عمري"، الذي يتناول قضية الكد والسعاية، وهو حق المرأة في اقتسام ممتلكات الزوج بعد الطلاق، وبعدما ساهمت في تكوينها.
تلعب روجينا دور "هند"، التي تجد نفسها مضطرة للمطالبة بحقوقها بعد خلاف كبير مع زوجها الذي يطردها من المنزل.
العمل يشارك في بطولته محمد رضوان، عمرو عبد الجليل، ومحمود البزاوي، وتأليف محمود عز وإخراج مي ممدوح.
معاناة المرأة بعد الطلاق
تقدم الفنانة المصرية دنيا سمير غانم قضية جديدة لأول مرة من خلال مسلسل "عايشة الدور"، إذ تجسد فيه شخصيتين: الأولى لامرأة مطلقة لديها طفلان تقوم بمراعاتهما وتربيتهما بعد الطلاق، وتتحمل مسؤوليتهما في ظل وجود خلافات مع والدهما، والثانية فتاة جامعية، وذلك بعدما تقرر ابنة شقيقتها التي تعيش في الخارج استكمال دراستها الجامعية في مصر، ولكنها لا تصل في الوقت المقرر لها بسبب بعض الظروف.
لتجنب حرمانها من استكمال مستقبلها، تضطر "عائشة" إلى أن تعيش بشخصيتين، واحدة لامرأة مطلقة ناضجة تتحمل مسؤولية أطفال، وأخرى لفتاة جامعية، يجب أن تعيش حياة الشباب في عالم التكنولوجيا حتى لا يتم اكتشاف أمرها.
المسلسل بطولة محمد ثروت، محمد كيلاني، سما إبراهيم، وتأليف أحمد الجندي وكريم السبكي، وإخراج أحمد الجندي.
العادات والتقاليد
يُسلط مسلسل "ظلم المصطبة" الضوء على العادات والتقاليد في الأرياف وتأثيرها على المرأة، من خلال شخصية "هند"، التي تجسد دورها الفنانة ريهام عبد الغفور، والتي تواجه أزمات مع إياد نصار وفتحي عبد الوهاب، بسبب تحكم التقاليد في حياتها وحياة عائلتها.
المحلل
يتناول مسلسل "قلبي ومفتاحه" قضية المحلل من زاوية جديدة، حيث تدور أحداثه حول "ميار"، التي تجسد دورها مي عز الدين، وهي امرأة مطلقة ثلاث مرات؛ مما يجعلها مضطرة للبحث عن محلل تختاره بنفسها لتعيش مع ابنها.
تلتقي بأسر ياسين، وتبدأ بينهما المغامرات، ليكشف العمل عن معاناة المرأة المصرية بعد أن يطلقها زوجها ثلاث مرات بسبب الأزمات بينهما.
العمل بطولة محمد دياب، أشرف عبد الباقي، سما إبراهيم، وتأليف وإخراج تامر محسن.
معالجة قضايا تهم المجتمع
أكد الناقد الفني طارق الشناوي أن الدراما لها دور رئيسي في تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية المهمة، مُشيرًا إلى أن أي عمل فني حقق نجاحًا وظل حاضرًا في أذهان الجمهور عبر التاريخ، كان يتناول قضية تمس الواقع وتلامس احتياجات الناس.
وأوضح أن الدراما مطالبة دائمًا بتقديم موضوعات تعكس هموم المجتمع، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، وعلى رأسها قضايا المرأة.
وأضاف الشناوي لموقع "القاهرة الإخبارية" أن وجود مثل هذه القضايا في الدراما أمر مطلوب للغاية، لكنه شدد في الوقت ذاته على أهمية المعالجة الدرامية، موضحًا أن الحكم على الأعمال لا يكون فقط من خلال العناوين الجذابة، وإنما عبر طريقة تنفيذها وتقديمها على الشاشة.
وأكد أن المشاهد لا يستطيع إصدار حكم مُسبق على أي عمل لم يُعرض بعد، رغم أن القضايا التي يتم تناولها قد تبدو لافتة وتبعث على التفاؤل، إلا أن التقييم الحقيقي يظل مرهونًا بجودة الطرح الدرامي.
طرح قضايا غير مسبوقة في الدراما المصرية
يشير الناقد الفني إلى أن دراما رمضان المقبل ستشهد تناول موضوعات جديدة وغير مطروقة من قبل في الدراما المصرية، مثل "الدارك ويب"، و"قانون الكد والسعاية"، ومكافحة التحرش ضد الأطفال.
وأكد أن مناقشة هذه القضايا تُعد إضافة مهمة، لكنه شدد على أن الأهم هو كيفية تقديمها ومعالجتها دراميًا.
وضرب الشناوي مثالًا بتاريخ الدراما المصرية، حيث تناولت السينما من قبل قضايا اجتماعية مهمة، مثل قضية المرأة في فيلم "أريد حلًا"، الذي سلط الضوء على معاناة المرأة في الحصول على الطلاق؛ ما أدى لاحقًا إلى تغييرات في بعض القوانين، مثل حق المرأة في طلب الخلع مقابل التنازل عن مستحقاتها المالية.
وأوضح الشناوي أن هناك دومًا حساسية في تناول القضايا الاجتماعية، خاصة تلك التي تمس العلاقات بين الرجل والمرأة.
دور المرأة في قيادة هذه الأعمال
وفيما يتعلق بظاهرة تصدر النساء لبطولة هذه الأعمال، لفت الشناوي إلى أن الدراما التلفزيونية خلال الثلاثين عامًا الأخيرة منحت المرأة مساحة أكبر للبطولة مقارنة بالسينما، حيث أصبحت البطولات النسائية في التلفزيون توازي تلك التي يقودها الرجال، وهو ما وفر فرصة لتناول قضايا المرأة بجرأة أكبر.
وأوضح أن الدراما التلفزيونية تختلف عن السينما، التي لا تزال تمنح البطولة المطلقة للرجال في أغلب الأحيان، بينما في الدراما أصبحت هناك مساحة أكبر لتمكين النساء من تقديم أعمال تحمل قضاياهن وتتناول مشاكلهن بعمق.
وأشار إلى أن الأعمال المطروحة في دراما رمضان المقبل، مثل مسلسل "قانون الكد والسعاية" الذي تقدمه الفنانة روجينا في إطار كوميدي، ومسلسل "مكافحة التحرش ضد الأطفال" الذي تلعب بطولته أمينة خليل، تعكس هذا الاتجاه، حيث تتصدر النساء هذه القضايا ويقدمنها من منظورهن الخاص.
الدراما بين الترقب والتقييم
شدد الناقد الفني على أن تقديم مثل هذه الموضوعات في الدراما خطوة إيجابية، لكنها تحتاج إلى تنفيذ جيد ومعالجة درامية دقيقة تبتعد عن السطحية.
وشدد على أن نجاح هذه الأعمال لا يعتمد فقط على جرأة الطرح، بل على جودة النص، وأسلوب الإخراج، وأداء الممثلين، وطريقة توصيل الرسالة للجمهور.
وأكد أن الحكم الحقيقي على هذه الأعمال لن يكون قبل عرضها، وإنما بعد أن يشاهدها الجمهور ويقيمها بناءً على المحتوى والمعالجة، مشيرًا إلى أن صناع الدراما عليهم مسؤولية كبيرة في تقديم أعمال تليق بقيمة هذه القضايا وتساهم في إحداث تغيير حقيقي في المجتمع.
الدراما الاجتماعية مرآة للمجتمع
ترى الناقدة الفنية ماجدة موريس أن تناول القضايا الاجتماعية في الدراما يمثل انعكاسًا لتغيرات المجتمع وتحولاته الفكرية والثقافية، مؤكدة أن الدراما ليست مجرد وسيلة ترفيهية، بل هي أداة مؤثرة في تشكيل الوعي الجماهيري.
وتشدد موريس على أهمية أن تكون المعالجة الدرامية عميقة ومتزنة، بحيث تقدم رؤية واقعية دون تهويل أو تهوين؛ لأن أي تناول غير مدروس قد يضر بالقضية بدلًا من تسليط الضوء عليها.
وتضيف موريس لموقع "القاهرة الإخبارية" أن دراما رمضان المقبل، التي تتناول موضوعات مثل "الدارك ويب"، و"قانون الكد والسعاية"، تعكس رغبة في الخروج من القوالب التقليدية، لكن يبقى التحدي الأكبر في التنفيذ، حيث يجب أن تعتمد هذه الأعمال على سيناريو محكم، وإخراج قادر على ترجمة الأفكار إلى مشاهد مؤثرة بعيدًا عن الإثارة المجانية أو التناول السطحي.
وتؤكد أن الاتجاه نحو مناقشة القضايا الاجتماعية في دراما رمضان المقبل يمثل خطوة جريئة تعكس تطورًا في المحتوى الدرامي، لكنه في الوقت ذاته يضع صناع هذه الأعمال أمام مسؤولية كبيرة، فالرهان لا يكمن فقط في نوعية القضايا الاجتماعية، وإنما في تقديم معالجة درامية توازن بين الإقناع الفني والرسالة التوعوية.