بدأ الناخبون الألمان، اليوم الأحد، التصويت في الانتخابات العامة، التي تحدد مستقبل أكبر ديمقراطية في أوروبا، في وقت من التحديات الجيوسياسية والاقتصادية الحادة.
وتجرى الانتخابات العامة في ألمانيا، وسط توقعات بعودة المحافظين بزعامة فريدريش ميرز للسلطة، وتحقيق حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف أفضل نتيجة له على الإطلاق.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن "البديل من أجل ألمانيا"، المؤيد لروسيا والمناهض للهجرة، والذي تقوده أليس فايدل، قد يحظى بدعم نحو واحد من كل خمسة ناخبين ألمان، وهو ضعف ما حققه الحزب في الانتخابات الفيدرالية لعام 2021.
وخلال الحملة، تلقى حزب "البديل من أجل ألمانيا" دعم إدارة ترامب وإيلون ماسك، أغنى رجل في العالم ومالك منصة إكس.
وحسب صحيفة " فايننشال تايمز" البريطانية، من شأن المكاسب الانتخابية لحزب "البديل من أجل ألمانيا" أن تمثل تحولًا نحو اليمين في أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، والذي عانى خلال العامين الماضيين بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والمنافسة من الواردات الصينية الرخيصة.
وتصدر تكتل ميرز، الذي يضم حزبي الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، استطلاعات الرأي بشكل مستمر، ولكن من غير المرجح أن يفوز بالأغلبية في ظل التفتت السياسي في ألمانيا، ما سيضطره للبحث عن شركاء لتكوين ائتلاف، حسب وكالة "رويترز".
ومن المتوقع أن تكون مفاوضاته بهذا الشأن صعبة، بعد حملة انتخابية كشفت عن انقسامات حادة إزاء الهجرة، وكيفية التعامل مع حزب "البديل من أجل ألمانيا"، في بلد تحمل فيه سياسة اليمين المتطرف وصمة شديدة بسبب ماضيها النازي.
واستبعدت جميع الأحزاب الألمانية الأخرى الشراكة مع حزب البديل لألمانيا في ائتلاف، وهو ما يسمى "جدار الحماية" الذي أدانه نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس في مؤتمر ميونخ للأمن الأسبوع الماضي.
وترجح " فايننشال تايمز" أن تعمل مجموعة كبيرة من اليمين المتطرف في البوندستاج على تعقيد جهود بناء الائتلاف التي يبذلها ميرز، الذي يتقدم المرشحين لخلافة أولاف شولتس في منصب المستشار.
وتتوقع" رويترز" أن ذلك قد يؤدي إلى تولي شولتس، الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، تصريف الأعمال لشهور، ما سيؤخر سياسات تشتد الحاجة إليها لإنعاش أكبر اقتصاد في أوروبا، بعد تسجيله انكماشًا لعامين متتاليين، ومع تكبد الشركات صعابًا في مواجهة المنافسين الدوليين.
ومن شأن ذلك أيضًا، حسب "رويترز"، أن يخلق فراغًا قياديًا في قلب القارة بينما تواجه مجموعة من التحديات، مثل تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإشعال حرب تجارية ومحاولاته التعجيل باتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا دون تدخل أوروبي.
ويعتمد اقتصاد ألمانيا على التصدير، وتعوِّل منذ وقت طويل على الولايات المتحدة في أمنها، ويبدو أن الألمان أصبحوا أكثر تشاؤما حيال مستويات معيشتهم عن أي وقت مضى منذ الأزمة المالية في عام 2008، إذ أفادت مؤسسة "جالوب" لاستطلاعات الرأي بأن نسبة من يرون أن وضعهم يتحسن تراجعت بشكل حاد من 42% في عام 2023 إلى 27% في عام 2024.
كما أصبحت المواقف تجاه الهجرة أكثر تشددًا، وهو تحول بالغ في الرأي العام بألمانيا منذ ثقافة "الترحيب باللاجئين" خلال أزمة المهاجرين في أوروبا في عام 2015.
وتأتي انتخابات اليوم بعد انهيار ائتلاف شولتس في نوفمبر الماضي، الذي ضمَّ الحزب الديمقراطي الاجتماعي المنتمي لتيار يسار الوسط وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر الداعم للسوق، بسبب خلاف بشأن الإنفاق في الميزانية.
ومن المتوقع أن يحتل "البديل من أجل ألمانيا"، الذي تأسس قبل 12 عامًا، المركز الثاني لأول مرة في الانتخابات العامة، بعد حزب ميرز المحافظ الذي من المتوقع أن يفوز بنحو 30% من الأصوات، في حين من المتوقع أن يقود شولتس حزبه الديمقراطي الاجتماعي إلى أسوأ هزيمة له منذ عام 1887، بنسبة 15%.
ولن يرث المستشار الألماني القادم اقتصادًا راكدًا فحسب، بل سيرث أيضًا بلدًا مشوشًا بسبب خطاب دونالد ترامب العدائي تجاه أوروبا، فقد هزَّ الرئيس الأمريكي حلفاءه عبر الأطلسي بتهديده بسحب الضمانات الأمنية من القارة، وإجراء محادثات مع روسيا بشأن مصير أوكرانيا.
وقال ميرز لأنصاره في تجمع حاشد في ميونخ، أمس السبت: "سنفوز في الانتخابات الفيدرالية وبعد ذلك سينتهي هذا الكابوس الذي تعيشه الحكومة الحالية أخيرًا". وأضاف: "نعم، لدينا مشكلات هيكلية، ولكن بالنسبة لي فإن الكأس دائمًا ما تكون نصف ممتلئة ولا تكون فارغة تمامًا.. سنحول هذه الكأس الممتلئة إلى كأس ممتلئة مرة أخرى وسنظهر ما يمكن لهذا الاقتصاد تحقيقه".