تواجه أوكرانيا أزمة غير مسبوقة مع اقتراب الذكرى الثالثة لحربها مع روسيا، حيث تجد نفسها في موقف حرج بعد انقلاب حليفها الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية، على سياساته السابقة تجاهها منذ عودة الرئيس دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، في حين أن هذا التحول الذي وصفه المراقبون بالصادم، يضع مستقبل كييف على المحك، ويهدد بتغيير موازين القوى في شرق أوروبا.
تصدع التحالف
شهدت الساحة الدولية تطورات متسارعة في الأسابيع الأخيرة، إذ كشفت شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية عن تدهور غير مسبوق في العلاقات بين واشنطن وكييف.
وفي المقابل، برزت مؤشرات قوية على تحسن العلاقات الأمريكية الروسية، تجلت في المحادثات التي جرت في العاصمة السعودية الرياض، والتي استبعدت منها أوكرانيا بشكل مثير للجدل.
وبحسب تحليل أندريوس تورسا، مستشار وسط وشرق أوروبا في شركة الاستشارات "تينيو"، فإن هذه المحادثات لم تترك مجالًا للتفاؤل في كييف، خاصة مع إبداء واشنطن استعدادًا غير مسبوق للنظر في مطالب روسية، من شأنها تقويض الأمن الأوكراني على المدى الطويل.
وفي تطور لافت، ألغى المبعوث الأمريكي الخاص لأوكرانيا وروسيا، كيث كيلوج، مؤتمرًا صحفيًا كان مقررًا عقده في كييف، في خطوة اعتبرها المحللون مؤشرًا إضافيًا على تراجع الاهتمام الأمريكي بالملف الأوكراني.
هذا التحول في السياسة الأمريكية أثار استياءً واسعًا في أوروبا، حيث وجد الحلفاء الأوروبيون أنفسهم مستبعدين من المحادثات التي تحدد مصير جارتهم الشرقية.
أزمة ثقة
وصلت العلاقات الشخصية بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني إلى مستوى غير مسبوق من التوتر، عندما وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، نظيره الأمريكي بأنه "يعيش في فقاعة المعلومات المضللة الروسية".
ورد ترامب بشكل حاد بوصف زيلينسكي بأنه "ديكتاتور بلا انتخابات"، في إشارة إلى عدم إجراء انتخابات في أوكرانيا منذ 2019.
وعلى الرغم من تبرير كييف ذلك بظروف الحرب والأحكام العرفية السائدة في البلاد، فإن هذا التبادل الحاد في الاتهامات يعكس عمق الأزمة بين البلدين، وقد يؤثر سلبًا على مستقبل العلاقات الثنائية.
تداعيات خطيرة
في تطور يمثل تحولًا استراتيجيًا خطيرًا، أعلن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث أنه من "غير الواقعي" توقع استعادة أوكرانيا للأراضي التي فقدتها منذ 2014، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
وفي السياق ذاته، حذّر هولجر شميدينج، كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبيرج، من أن ترامب قدم تنازلات كبيرة لروسيا قبل بدء المفاوضات، خاصة فيما يتعلق بعضوية أوكرانيا في حلف الناتو، مُضيفًا في تحليله أن "روسيا لم تقدم أي تنازلات في المقابل، مما قد يشجعها على المطالبة بالمزيد".
وفي موقف يعكس حجم التحول في العلاقات الدولية، أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتياحًا واضحًا للتطورات الأخيرة، مُشيدًا بالمحادثات الروسية الأمريكية ووصف الأجواء بأنها "ودية للغاية".
كما أثنى على ما وصفه بـ"ضبط النفس" الذي أظهره ترامب، وسط ما اعتبره "هستيريا" القادة الأوروبيين الغاضبين من استبعادهم من المفاوضات حول مستقبل أوكرانيا.
مستقبل غامض
بعد ثلاث سنوات من الحرب المُدمرة التي كلفت أوكرانيا خسائر فادحة تقدر بنحو 500 مليار دولار، تجد كييف نفسها في موقف حرج للغاية.
ورغم محاولات زيلينسكي الحفاظ على نبرة متفائلة بتأكيده أن "السلام يمكن أن يكون أكثر أمانًا مع أمريكا وأوروبا"، إلّا أن المحللين يرون أن أوكرانيا قد تُجبر على قبول اتفاق سلام غير متكافئ يتضمن تنازلات إقليمية كبيرة لصالح روسيا.
وتشير التقديرات الواردة في تقرير شبكة "سي إن بي سي" إلى أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير الصراع.
وفي ظل غياب الدعم العسكري الأمريكي المتوقع وتزايد الضغوط الدولية، قد تجد أوكرانيا نفسها مضطرة للقبول بتسوية تحافظ على الوضع الراهن في أفضل الأحوال، أو تؤدي إلى خسارة المزيد من الأراضي في أسوأها.
ويرى الخبراء الاستراتيجيون أن هذا التحول في السياسة الأمريكية، قد يؤدي إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في شرق أوروبا، مع تداعيات جيوسياسية قد تمتد لسنوات مقبلة.