شهدت العلاقات الأمريكية الأوكرانية تحولًا غير مسبوق في الأسابيع الأخيرة، مع مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحصة كبيرة من الثروات المعدنية الأوكرانية مقابل استمرار الدعم العسكري والمالي، يأتي في وقت حرج تواجه فيه أوكرانيا تحديات عسكرية كبيرة في حربها مع روسيا، ما يضع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في موقف صعب بين مطرقة الحاجة للدعم الأمريكي وسندان الحفاظ على ثروات بلاده، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
تفاصيل الصفقة المثيرة للجدل
أشارت "وول ستريت جورنال" إلى المطالب الأمريكية التي تضمنت حصول الولايات المتحدة على نصف احتياطيات أوكرانيا من المعادن الاستراتيجية، وكشفت عن لقاء متوتر جمع وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت مع زيلينسكي في كييف، دفع الأول خلاله وثيقة عبر الطاولة مطالبًا الرئيس الأوكراني بالتوقيع الفوري عليها.
وعندما أبدى زيلينسكي رغبته في مراجعة الوثيقة مع فريقه، تلقى تحذيرًا صريحًا بأن "الناس في واشنطن سيكونون غاضبين في حال رفضه التوقيع".
هذا الموقف غير المعتاد في الدبلوماسية الدولية أثار استياءً واسعًا في الأوساط السياسية الأوكرانية، إذ اعتبره كثيرون شكلًا من أشكال الابتزاز السياسي.
كنز استراتيجي عالمي
تكتسب المطالب الأمريكية أهمية خاصة في ضوء الثروات المعدنية الهائلة التي تمتلكها أوكرانيا، فوفقًا لـ"وول ستريت جورنال"، تمتلك أوكرانيا أكبر احتياطيات التيتانيوم في أوروبا، وهو معدن استراتيجي يدخل في صناعات عسكرية حساسة مثل الطائرات والسفن الحربية.
كما تمتلك البلاد مخزونًا ضخمًا من الليثيوم، المعدن الأساسي في صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية، إضافة إلى احتياطيات كبيرة من المعادن الأرضية النادرة التي تعد حجر الأساس في الصناعات التكنولوجية المتقدمة وقطاعات الدفاع والطاقة المتجددة.
ورغم أن بعض هذه المعادن تقع في مناطق تسيطر عليها روسيا، إلا أن قيمتها الإجمالية تقدر بمئات المليارات من الدولارات، ما يجعلها محور صراع جيوسياسي متصاعد.
موقف كييف وتداعيات الأزمة
وكشف الرئيس الأوكراني، في تصريحات نقلتها "وول ستريت جورنال"، عن موقفه من المطالب الأمريكية، مؤكدًا أن المقترح الأمريكي كان "غير واضح" باستثناء المطالبة بنصف الموارد الطبيعية الأوكرانية، وهو ما رفضه بشكل قاطع قائلًا: "لا يمكنني بيع دولتنا".
وأضاف زيلينسكي أنه رغم امتنانه للمساعدات الأمريكية البالغة نحو 100 مليار دولار، إلا أن مطالبة ترامب بمعادن بقيمة 500 مليار دولار تعد مبالغًا فيها بشكل كبير.
ومع ذلك، أبدى الرئيس الأوكراني استعداده للتفاوض حول اتفاقية متوازنة تتضمن ضمانات أمنية أمريكية لبلاده، في محاولة للموازنة بين الحفاظ على الدعم الأمريكي وحماية المصالح الوطنية الأوكرانية.
لعبة المصالح الدولية والتدخل الروسي
في تطور لافت يعكس تعقيدات المشهد الدولي، كشفت "وول ستريت جورنال" عن مذكرة أرسلها مركز أبحاث مرتبط بالحكومة الروسية إلى الكرملين، تقترح منح شركات أمريكية حقوقًا في الودائع المعدنية في المناطق الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا.
هذا العرض جاء قبيل محادثات أمريكية-روسية في الرياض، والتي تُجرى دون مشاركة أوكرانية، ما يثير مخاوف كييف من صفقات محتملة على حساب مصالحها.
خلفية تاريخية وعلاقة معقدة
تكتسب الأزمة الحالية أبعادًا إضافية في ضوء التاريخ المعقد للعلاقات بين ترامب وزيلينسكي، ولفتت الصحيفة إلى أن العلاقة بين الزعيمين شهدت توترًا حادًا خلال فترة الرئاسة الأولى لترامب، عندما حاول الضغط على زيلينسكي للتحقيق مع منافسه السياسي آنذاك جو بايدن ونجله هانتر.
تلك المحاولة أدت إلى إجراءات عزل ترامب في الكونجرس، بعد أن تبين أنه علق مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار، في محاولة للضغط على كييف.
ورغم محاولات تحسين العلاقات لاحقًا، بما في ذلك لقاء في برج ترامب العام الماضي، إلا أن الخلاف الحالي حول الثروات المعدنية يهدد بتقويض التحالف الاستراتيجي بين البلدين في وقت حرج.