الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

من واشنطن إلى تورونتو.. رحلة سقوط الثقة في سماء أمريكا

  • مشاركة :
post-title
إحدى طائرات الخطوط الجوية الأمريكية "أمريكان إيرلاينز" - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

انخفضت ثقة الأمريكيين في سلامة السفر جوًا بشكل ملحوظ، عقب سلسلة من حوادث تحطم الطائرات التي شهدتها الولايات المتحدة في الشهور الأولى من عام 2025، حسبما كشف استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة AP-NORC، ويأتي هذا التراجع في الثقة بالتزامن مع تسريح إدارة الرئيس دونالد ترامب، لمئات الموظفين العاملين في هيئة الطيران الفيدرالية الأمريكية.

تراجع مؤشرات الثقة

أظهرت نتائج الاستطلاع الذي أجري على عينة من 1,112 مواطنًا أمريكيًا بالغًا خلال الفترة من 6 إلى 10 فبراير، تراجعًا كبيرًا في ثقة المواطنين بسلامة النقل الجوي، إذ انخفضت نسبة الذين يعتقدون أن السفر بالطائرة آمن "إلى حد ما" أو "آمن جدًا" من 71% في عام 2024 إلى 64% فقط في عام 2025، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 7% خلال عام واحد فقط.

وبحسب الاستطلاع الذي نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، ارتفعت في المقابل نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن الطائرات غير آمنة "إلى حد ما" أو "غير آمنة للغاية" بنسبة 12% مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغت نسبتهم الآن نحو 20% من المستطلعة آراؤهم، وهي نسبة غير مسبوقة منذ عقود.

ولم يقتصر تراجع الثقة على سلامة الطائرات فحسب، بل امتد ليشمل جميع الجهات المسؤولة عن ضمان أمن وسلامة الملاحة الجوية، إذ أظهر الاستطلاع انخفاضًا ملحوظًا في ثقة الأمريكيين بمختلف الأطراف الفاعلة في منظومة النقل الجوي، وعلى رأسها الطيارون الذين تراجعت نسبة الثقة بهم "بدرجة كبيرة" من 45% في عام 2024 إلى 41% في عام 2025.

وكان التراجع الأكبر في الثقة من نصيب الوكالات والهيئات الحكومية الفيدرالية المسؤولة عن ضمان سلامة الطيران، حيث انخفضت نسبة الأمريكيين الذين يبدون "ثقة كبيرة" فيها من 20% في العام الماضي إلى 13% فقط في العام الحالي، بانخفاض قدره 7% يعكس حالة من عدم الرضا والقلق من أداء هذه الهيئات.

كما شهدت الثقة في مراقبي الحركة الجوية تراجعًا من 40% في عام 2024 إلى 35% في عام 2025، وهو ما يشير إلى أزمة ثقة شاملة تواجه قطاع الطيران الأمريكي بمختلف مكوناته.

كوارث متتالية

جاء هذا التراجع المقلق في ثقة الجمهور الأمريكي في أعقاب سلسلة من الحوادث الجوية المروعة التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسابيع الأولى من عام 2025، والتي أودت بحياة العشرات من الضحايا وخلّفت صدمة عميقة في نفوس الأمريكيين.

في الثلاثين من يناير الماضي، وقعت واحدة من أسوأ كوارث الطيران في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، عندما اصطدمت طائرة ركاب تابعة لشركة "أمريكان إيرلاينز" بمروحية عسكرية أثناء تحليقها فوق نهر بوتوماك في العاصمة واشنطن.
وأسفر هذا الحادث المأساوي عن مقتل جميع من كانوا على متن الطائرة والمروحية، وبلغ عددهم 67 شخصًا، في حصيلة تعد الأكثر دموية في قطاع الطيران الأمريكي منذ عام 2009، حين تحطمت طائرة تابعة لشركة "كولجان إير" بالقرب من مدينة بوفالو بولاية نيويورك؛ ما أسفر آنذاك عن مقتل 49 شخصًا كانوا على متنها، بالإضافة إلى شخص واحد على الأرض.

وفي اليوم التالي مباشرة لحادث واشنطن، وقبل أن تتعافى البلاد من صدمة الكارثة الأولى، شهدت مدينة فيلادلفيا مأساة جديدة، عندما تحطمت طائرة نقل طبي كانت تقل طفلة مريضة ووالدتها وأربعة أشخاص آخرين في حي سكني بشمال شرق المدينة.
وأسفر هذا الحادث الثاني عن مقتل سبعة أشخاص، بالإضافة إلى اشتعال النيران في عدد من المنازل المجاورة لموقع التحطم، مما زاد من حجم الأضرار والمخاوف.

ولم تمض سوى أيام قليلة حتى وقع حادث مأساوي ثالث في السادس من فبراير، حين تحطمت طائرة ركاب صغيرة كانت تحلق في منطقة نائية عبر خليج نورتون ساوند في ولاية ألاسكا، وكانت الطائرة تقل عشرة أشخاص، وقد لقوا جميعًا حتفهم في الحادث، مما أثار المزيد من التساؤلات حول سلامة الطيران في المناطق النائية والظروف الجوية القاسية.

وفي التاسع عشر من فبراير، شهد مطار تورونتو بيرسون الدولي بكندا حادثًا مروعًا عندما هبطت طائرة تابعة لشركة "دلتا إيرلاينز" اضطراريًا وانقلبت رأسًا على عقب على المدرج.

وكانت الطائرة تقل 80 شخصًا بين ركاب وأفراد طاقم، وقد نجوا جميعًا من الموت بأعجوبة، رغم إصابة 21 منهم بجروح متفاوتة استدعت نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج، وعلى الرغم من عدم وقوع خسائر بشرية في هذا الحادث، إلا أنه ساهم في تعميق المخاوف لدى المسافرين وزعزعة ثقتهم بسلامة الطيران.

تداعيات على السياحة

أدت هذه السلسلة غير المسبوقة من الحوادث الجوية المُتتالية إلى تغير ملحوظ في سلوك المستهلكين وعاداتهم في السفر، حسبما رصدته صحيفة الجارديان البريطانية، إذ كشفت بيانات محرك البحث "جوجل" عن ارتفاع كبير في عمليات البحث عن عبارات مثل "هل السفر الجوي آمن؟" و"كم عدد حوادث تحطم الطائرات في عام 2025؟" و"لماذا تتحطم الطائرات؟"، وهو ما يعكس حالة من القلق المتزايد لدى شريحة كبيرة من الأمريكيين.

وكشفت مصادر في قطاع السياحة والسفر للصحيفة أن العديد من المسافرين الأمريكيين بدأوا يتجنبون السفر بالطائرات لمسافات قصيرة ومتوسطة، مفضلين استخدام وسائل النقل البديلة كالقطارات والحافلات والسيارات الخاصة.
كما أشارت تقارير أولية إلى انخفاض نسبة الحجوزات على الرحلات الداخلية بنسب تتراوح بين 5% و12% مُقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما قد يشكل تهديدًا خطيرًا لشركات الطيران المحلية التي لم تتعاف بعد بشكل كامل من تداعيات جائحة كورونا.

أما على صعيد السفر الدولي، فقد كان التأثير أقل حدة نظرًا لمحدودية البدائل المتاحة، لكن العديد من المسافرين أصبحوا أكثر تدقيقًا في اختيار شركات الطيران التي يستخدمونها، مع ميل واضح لتفضيل الشركات ذات السجل التاريخي الأفضل في مجال السلامة.

إجراءات مثيرة للجدل

يأتي هذا التراجع الحاد في ثقة الأمريكيين بسلامة الطيران، في ظل إجراءات مثيرة للجدل اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، حيث بدأت إدارة ترامب في الرابع عشر من فبراير بتنفيذ خطة واسعة النطاق لإنهاء خدمات مئات الموظفين في هيئة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA)، وهي الجهة الحكومية المسؤولة عن تنظيم جميع جوانب الطيران المدني في الولايات المتحدة وضمان سلامته.

ووفقًا للمعلومات التي أوردتها صحيفة الجارديان نقلًا عن نقابة متخصصي سلامة الطيران المهنية (PASS)، تلقى "عدة مئات" من موظفي الهيئة إشعارات بإنهاء خدماتهم في ذلك اليوم.

وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات لم تشمل مراقبي الحركة الجوية بشكل مباشر، إلا أنها طالت العديد من الوظائف الأساسية والداعمة لعمليات المراقبة والسلامة، بما في ذلك فنيي الصيانة، والمتخصصين في المعلومات الملاحية، ومتخصصي حماية البيئة، ومساعدي سلامة الطيران، وموظفي الإدارة.

وأثارت هذه القرارات انتقادات واسعة من خبراء الطيران والسلامة الجوية، الذين حذروا من أن تخفيض أعداد الموظفين المختصين بصيانة البنية التحتية الحيوية لمراقبة الحركة الجوية قد يترك آثارًا سلبية خطيرة على المدى المتوسط والطويل.
وفي ظل تزامن هذه الإجراءات مع سلسلة الحوادث الجوية المتتالية، ازدادت المخاوف من احتمال وجود علاقة بين التخفيضات في الموارد البشرية والفنية وتدهور مستويات السلامة في المجال الجوي الأمريكي.