تبادل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتهامات حادة غير مسبوقة هذا الأسبوع، ما يشير إلى تدهور العلاقات بين الحليفين في وقت حرج من الصراع الأوكراني الروسي، إذ يأتي في أعقاب اجتماع أمريكي روسي في المملكة العربية السعودية لحل الأزمة، استُبعدت منه أوكرانيا، في خطوة أثارت غضب كييف وأشعلت التوترات بين الرئيسين.
صراع الاتهامات
أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى حدة التوتر المتصاعد بين ترامب وزيلينسكي، إذ وصف الرئيس الأمريكي نظيره الأوكراني بأنه "ديكتاتور بدون انتخابات" في منشور على منصته "تروث سوشيال".
وأضاف ترامب، أن زيلينسكي -الذي كان "ممثلًا كوميديًا ناجحًا بشكل متواضع"، على حد وصف الرئيس الأمريكي- بإقناع الولايات المتحدة بإنفاق 350 مليار دولار على "حرب لا يمكن كسبها، ولم يكن من الضروري أن تبدأ".
ورغم تأكيد معهد كيل الألماني أن المساعدات الأمريكية لأوكرانيا بلغت 119 مليار دولار فقط، واصل ترامب ادعاءاته المثيرة للجدل، مشددًا على أن "هذه الحرب أكثر أهمية لأوروبا منها للولايات المتحدة" التي يفصلها "محيط كبير وجميل (إشارة إلى المحيط الأطلسي)" عن منطقة الصراع.
وأضاف الرئيس الأمريكي في تهديد واضح لنظيره الأوكراني أنه "يجب أن يتحرك بسرعة" لتأمين السلام، محذرًا بلهجة حادة: "وإلا لن يبقى له بلد".
هذه التصريحات العدائية جاءت بعد يوم من تصريحات مماثلة ألقى فيها ترامب باللوم على أوكرانيا في بدء الحرب، متبنيًا وجهة النظر الروسية المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا كخطوة ضرورية في محادثات التسوية، متجاهلًا أن الانتخابات عُلِّقت بموجب الأحكام العرفية بعد بدء الحرب في فبراير 2022، بحسب "نيويورك تايمز".
في المقابل، اختار زيلينسكي الرد بأسلوب أكثر دبلوماسية ولكن بحزم، إذ استدعى الصحفيين إلى مكتبه الرئاسي في كييف الذي لا يزال محصنًا بأكياس الرمل، ليتهم ترامب بالوقوع في "شبكة من المعلومات المضللة" من روسيا حول الحرب.
وقال الرئيس الأوكراني: "أود أن أرى المزيد من الحقيقة مع فريق ترامب"، وهو ما يمثل انتقادًا صريحًا غير معتاد منه تجاه الإدارة الأمريكية، مضيفًا: "مثل هذه الخطابات لا تساعد أوكرانيا، بل تساعد فقط في إخراج بوتين من عزلته".
ونفى زيلينسكي بشكل قاطع ادعاء ترامب بأن نسبة تأييده لا تتجاوز 4%، مستشهدًا باستطلاعات الرأي التي تظهر دعمًا أعلى بكثير.
وأشار إلى استطلاع أجراه معهد كييف الدولي للدراسات الاجتماعية في ديسمبر، والذي أظهر أن 52% من الأوكرانيين قالوا إنهم يثقون في قيادته.
وأضاف بثقة: "لذلك، إذا كان أي شخص يريد استبدالي الآن.. فهذا لن يحدث"، في إشارة إلى نسب التأييد المرتفعة التي يحظى بها.
مستقبل الدعم على المحك
ووفقًا للصحيفة الأمريكية، يلقي هذا الخلاف المتصاعد بظلاله الثقيلة على مستقبل الدعم الأمريكي لأوكرانيا، خاصة بعد تولي ترامب السلطة.
ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أن رغبة ترامب باسترداد المساعدات العسكرية والمالية التي قدمتها الولايات المتحدة على مدى ثلاث سنوات من الحرب قد يضع حدًا لأي حزمة مساعدات مستقبلية للبلد الذي مزقته الحرب، وهو ما يثير قلقًا عميقًا في كييف التي اعتمدت لفترة طويلة على شحنات أمريكية منتظمة من أسلحة الدفاع الجوي والقذائف وأنواع أخرى من الذخيرة للحفاظ على قتالها ضد روسيا.
وفي اعتراف صريح بخطورة الوضع، قال الجنرال كيريلو بودانوف، رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية: "لنكن صادقين: بدون الولايات المتحدة، سيكون الأمر صعبًا للغاية بالنسبة لنا"، ما يعكس القلق العميق الذي يساور القيادة العسكرية الأوكرانية من احتمالية تراجع الدعم الأمريكي في المرحلة المقبلة.
بوتين يستثمر الخلاف
في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات بين واشنطن وكييف، بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الاستفادة من هذا الوضع، إذ أشاد بمسؤولي إدارة ترامب في الرياض لتهيئتهم أجواء "ودية للغاية" خلال المحادثات.
وأكد أنه على عكس الإدارات الأمريكية السابقة، لم ينتقد فريق ترامب أفعال روسيا، قائلًا: "من الجانب الأمريكي، كان هناك أشخاص مختلفون تمامًا.. منفتحون على عملية التفاوض دون أي تحيز، ودون أي إدانة لما تم فعله في الماضي".
وفي تعليق يعكس رضاه عن المسار الجديد للعلاقات الأمريكية الروسية، قال بوتين إنه يتطلع للقاء ترامب، مؤكدًا: "سأكون سعيدًا بلقاء دونالد، لم نر بعضنا منذ فترة"، إلا أنه حذر من أن هناك الكثير من العمل التحضيري الذي يتعين القيام به، بما في ذلك على المسار الأوكراني، رافضًا تحديد موعد للقاء.
ومن الواضح أن روسيا، كما أشار زيلينسكي "سعيدة للغاية" بالتطورات الدبلوماسية الأخيرة، وقال الرئيس الأوكراني: "أعتقد أن بوتين والروس سعداء للغاية، لأن القضايا تُناقش معهم"، وفقًا للصحيفة الأمريكية.
دبلوماسية متوازية
وعلى الجانب الآخر، وصل كيث كيلوج، الجنرال المتقاعد الذي عيّنه ترامب مبعوثًا خاصًا لأوكرانيا وروسيا، إلى كييف في زيارة تستمر ثلاثة أيام لمناقشة طرق محتملة لإنهاء الحرب، في حين تزامن هذا مع تصريحات زيلينسكي الحادة التي انتقد فيها موقف الإدارة الأمريكية الجديدة، مما وضع المبعوث الأمريكي في موقف دبلوماسي حرج.
وفي تصريحات بدت متناقضة مع موقف ترامب العدائي، قال "كيلوج" -عند وصوله إلى كييف- إن مهمته ستكون "الجلوس والاستماع" لمخاوف أوكرانيا.
وأكد أن الولايات المتحدة تتفهم "حاجة أوكرانيا لضمانات أمنية" و"أهمية سيادة هذه الأمة"، وهي تصريحات تتناقض بشكل صارخ مع تعليقات الرئيس الأمريكي المهينة من اليوم السابق.