كشفت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن مخاطر غير مسبوقة تهدد سلامة الطيران المدني في الولايات المتحدة، بعد قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب تسريح المئات من موظفي إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA)، إذ يأتي هذا القرار في توقيت حساس يشهد فيه قطاع النقل الجوي الأمريكي سلسلة من التحديات والحوادث المأساوية، كان آخرها حادث تصادم جوي مروع بين طائرة ركاب ومروحية عسكرية بالقرب من مطار رونالد ريجان في واشنطن نهاية يناير الماضي، أسفر عن مقتل 67 شخصًا.
في تفاصيل صادمة كشفت عنها "بوليتيكو"، تبين أن الموجة الأولى من التسريحات التي أمر بها البيت الأبيض شملت أكثر من 130 موظفًا يلعبون أدوارًا محورية في دعم عمل مراقبي الحركة الجوية والمنشآت والتقنيات الحيوية.
زيادة المخاطر
وبحسب نقابة المتخصصين في سلامة الطيران المهنية، كان هؤلاء الموظفين يشكلون حلقة أساسية في سلسلة السلامة الجوية، إذ يقومون بمهام فنية دقيقة لا يمكن الاستغناء عنها في منظومة الطيران.
وأكد جيف جوزيتي، المستشار في مجال سلامة الطيران والمسؤول السابق في كلٍ من إدارة الطيران الفيدرالية ومجلس سلامة النقل الوطني، أن كل وظيفة في الإدارة حاليًا تعتبر حيوية للسلامة، محذرًا من أن هذه التخفيضات ستؤدي حتمًا إلى زيادة المخاطر في القطاع.
الطرق السريعة في السماء
فيما كشف أحد الموظفين المسرحين، الذي عمل أخصائي معلومات جوية، عن تفاصيل مثيرة للقلق حول طبيعة عمل فريقه المكون من 12 شخصًا والمسؤول عن إنشاء وتحديث الخرائط الجوية المعروفة باسم "الطرق السريعة في السماء".
وأوضح الموظف السابق، الذي تحدث لصحيفة "بوليتيكو" شريطة عدم الكشف عن هويته، أن هذه الخرائط تمثل المسارات المخططة مسبقًا التي يعتمد عليها الطيارون والمراقبون في توجيه الطائرات.
وأضاف أن فريقه كان يعاني بالفعل من نقص في الموظفين قبل التسريحات، إذ كان يحتاج إلى نحو 20 موظفًا للعمل بكفاءة كاملة، مشيرًا إلى أن التسريحات الجديدة خفضت عدد الفريق إلى 9 موظفين فقط، ما يضع ضغوطًا هائلة على القدرة التشغيلية للمكتب.
جدل سياسي وانقسام رسمي
في محاولة للدفاع عن قرارات التسريح، صرح وزير النقل شون دافي بأن عدد الموظفين المسرحين لا يتجاوز 400 شخص من إجمالي 45 ألفًا في الإدارة، مؤكدًا أن جميعهم كانوا في فترة التجربة.
وفي مقال رأي نشره في شبكة "فوكس نيوز"، اتهم دافي وسائل الإعلام بالتضليل، مشددًا على أن القرارات لم تشمل مراقبي الحركة الجوية أو الموظفين في المناصب الحساسة المتعلقة بالسلامة، إلا أن هذه التصريحات قوبلت بانتقادات حادة من أعضاء في الكونجرس، وطالب السيناتور ريتشارد بلومنثال، في رسالة إلى وزير النقل، بالتراجع الفوري عن قرارات التسريح، معتبرًا أن "الوقت الحالي غير مناسب للتخلص من موظفي إدارة الطيران الفيدرالية الذين يعملون بلا كلل لضمان سلامة كل طائرة تحلق في السماء".
عواقب وخيمة
ونقلت الصحيفة تحذير خبراء الطيران والمسؤولون السابقين في القطاع من أن تأثيرات هذه التسريحات ستظهر قريبًا على نظام طيران يعاني بالفعل من تحديات متعددة.
وقال مسؤول في قطاع الطيران، تحدث لصحيفة "بوليتيكو" شريطة عدم الكشف عن هويته، إن التسريحات شملت موظفين في قسم السلامة والتدريب التقني التابع لمنظمة الحركة الجوية، وهو القسم المسؤول عن مراجعة تقارير بيانات السلامة التي تحتاج إلى تدقيق إضافي، مثل حوادث اصطدام الطائرات المحتملة على المدارج.
كما طالت التسريحات موظفين في مركز "مايك مونروني" للملاحة الجوية في مدينة أوكلاهوما، وهو المركز المسؤول عن مراجعة معايير تصميم الطائرات، بما في ذلك قضايا مثل متانة المقاعد والهياكل وأجزاء أخرى من الطائرات.
وفي ظل هذه التطورات المقلقة، وجهت مجموعة من 13 سيناتور، من بينهم زعيم الأقلية تشاك شومر، رسالة إلى وزير النقل، محذرين من أن إدارة ترامب تخاطر "بتقويض عقود من تحسينات السلامة" من خلال دفع عمليات التسريح في وزارة النقل، إلى جانب تسريح الموظفين تحت الاختبار "الذين كرسوا حياتهم المهنية للحفاظ على سلامة الجمهور"، وأكد أعضاء مجلس الشيوخ في رسالتهم أن "خبرتهم وتجربتهم والتزامهم لا يمكن استبدالها بسهولة".