تشهد آسيا سباق تسلح غير مسبوق، يضم ثلاث قوى نووية كبرى، واحدة منها سريعة التطور، وأكبر ثلاثة اقتصادات فى العالم، وتحالفات عمرها عقود.
وذكرت شبكة "سى. إن. إن" الأمريكية، في تقرير لها، إن تلك الدول تتنافس من أجل التفوق في بعض المناطق البرية والبحرية، التي تشهد النزاعات الأكثر شدة فى العالم.
محاور السباق
وأوضحت الشبكة الأمريكية أن أحد المحاور يضم الولايات المتحدة وحلفاءها اليابان وكوريا الجنوبية، والآخر يضم الصين وشريكتيها روسيا وكوريا الشمالية.
ومع رغبة كل دولة في أن تكون متقدمة بخطوة عن الآخرين، يقع الجميع في دائرة مفرغة تخرج عن نطاق السيطرة، والمحصلة أن ردع دولة يعنى تصعيد دولة أخرى.
ونقلت الشبكة عن أنكيت باندا، خبيرة السياسة النووية في مؤسسة "كارنيجي للسلام الدولى": "سنستمر في رؤية هذه الآليات تتصاعد في شرق آسيا، حيث لا توجد لدينا تدابير ضبط النفس، وليس لدينا سيطرة على التسلح".
قلق ياباني من الأنشطة العسكرية الصينية
ولعل الزيارة التي أجراها القادة اليابانيون إلى واشنطن خلال الأسبوع الماضي، سلطت الضوء على تلك النقطة، إذ أعرب رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، الجمعة الماضي، بعد اجتماع مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن قلقه بشأن الأنشطة العسكرية للصين في بحر الصين الشرقي، وإطلاق الصواريخ الباليستية فوق تايوان، التي هبطت في المياه بالقرب من اليابان في أغسطس.
وبعث "كيشيدا" رسالة تحذير إلى بكين من السعى لتغيير النظام الدولى، وقال: "من الضرورى لليابان والولايات المتحدة وأوروبا أن يتحدوا في مواجهة الصين". وجاءت كلمات رئيس الوزراء الياباني، بعد أيام قليلة من حديث الوزراء الأمريكيين واليابانيين عن التوسع المستمر والمتسارع للترسانة النووية الصينية.
كوريا الشمالية والصين تعتبران اليابان دولة معتدية
في المقابل، تنظر كوريا الشمالية والصين إلى اليابان على أنها المعتدية. رأت الدولتان طوكيو تتعهد مؤخرًا بمضاعفة إنفاقها الدفاعي، مع الحصول على أسلحة قادرة على ضرب أهداف داخل الأراضي الصينية والكورية الشمالية.
وتزايدت مخاوف بيونج يانج وبكين مع الإعلان قبل بضعة أيام، عن خطط لنشر مشاة البحرية الأمريكية الجديدة في الجزر الجنوبية لليابان، بما في ذلك صواريخ متحركة جديدة مضادة للسفن تهدف إلى إحباط أي ضربة استباقية من بكين.
بالنسبة للولايات المتحدة واليابان، فإن مثل هذه التحركات تتعلق بالردع، لكن بكين تعتبرها تصعيدًا، وتقول إنها "تخشى عودة طوكيو إلى التوسع العسكري في حقبة الحرب العالمية الثانية"، وذلك عندما سيطرت القوات اليابانية على مساحات شاسعة من آسيا وتحملت الصين العبء الأكبر.
ولقى نحو 14 مليون صيني حتفهم، وأصبح ما يصل إلى 100 مليون مواطن صيني لاجئين خلال ثماني سنوات من الصراع مع اليابان، الذي امتد بين عامي 1937 و1945.
دوافع بكين والجزر المتاخمة لطوكيو
نظرة الصين إلى اعتزام اليابان الحصول على أسلحة "هجوم مضاد" بعيدة المدى، مثل صواريخ "توماهوك" التي يمكن أن تضرب قواعد داخل الصين، أنها "تهدد السلام في شرق آسيا مرة أخرى"، تقابلها نظرة أخرى كما أوردت "سى. إن. إن" في تقريرها- إذ يرى منتقدو بكين أن للصين دافع ثانوي في فتح الجروح التاريخية، ولفت الانتباه بعيدًا عن الحشد العسكرى الخاص بها.
المنتقدون للصين أشارو إلى أنه حتى في الوقت الذي ترفض فيه بكين بشدة المخاوف الأمريكية واليابانية بشأن قوتها العسكرية المزدهرة، فإنها تعمل على زيادة قواتها البحرية والجوية في مناطق بالقرب من اليابان، بينما تطالب بجزر "سين كاكو "، وهي سلسلة غير مأهولة تسيطر عليها اليابان في بحر الصين الشرقى، كمنطقة ذات سيادة.
في أواخر ديسمبر الماضي، قالت اليابان إنها رصدت سفنًا صينية في المنطقة المتاخمة حول الجزر، المعروفة باسم "دياويوس" في الصين، في أطول توغل منذ عام 2012، عندما استحوذت طوكيو على بعض الجزر من مالك أرض ياباني.
ومن 22 إلى 25 ديسمبر، أمضت السفن الحكومية الصينية ما يقرب من 73 ساعة متتالية في المياه الإقليمية اليابانية قبالة الجزر.
تعزيز الشراكة بين الصين وروسيا
كما تعمل الصين على تصعيد التوتر من خلال تعزيز شراكتها مع روسيا، ونقلت" سى. إن. إن" عن مسئول في وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرًا، أن حرص الرئيسين الروسى فلاديمير بوتين ونظيره الصينى "شى جين بينج على تعزيز العلاقات بين البلدين، إلى جانب الأزمة الأوكرانية، دفعا إلى بعض الاتفاقيات بين الولايات المتحدة واليابان.
وقد استعرضت روسيا قدراتها العسكرية في المحيط الهادئ في ديسمبر، عندما انضمت سفنها الحربية إلى السفن والطائرات الصينية في مناورة بالذخيرة الحية لمدة أسبوع في بحر الصين الشرقي.
التحركات العسكرية الصينية حول تايوان
كما أن الصين كررت خلال الشهور القليلة الماضية، إرسال مقاتلاتها وسفنها إلى تايوان، التي تعتبرها بكين جزءًا من أراضيها، ورفض "شي" استبعاد استخدام القوة العسكرية لإخضاع الجزيرة لسيطرة بكين.
وزادت الصين من أنشطتها العسكرية حول تايوان، خاصّة منذ زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكية آنذاك "نانسي بيلوسي" في أغسطس الماضى. وفي الأيام التي أعقبت زيارتها أجرت الصين تدريبات عسكرية غير مسبوقة حول الجزيرة، حيث أطلقت صواريخ متعددة بالقرب من مياهها، وأرسلت طائراتها الحربية لمضايقتها.
في الأسبوع الماضي، أرسلت الصين 28 طائرة حربية عبر خط الوسط لمضيق تايوان، بما في ذلك مقاتلات J-10 و J-11 و J-16 و Su-30 وقاذفات H-6 وثلاث طائرات بدون طيار وطائرة إنذار مبكر واستطلاع.
ورغم تلك التحركات من جانب بكين، تصر الولايات المتحدة على مواصلة الدعم العسكرى لتايوان، إذ وافقت واشنطن مؤخرًا على قائمة متزايدة من المبيعات العسكرية للجزيرة.
الطموحات النووية لكوريا الشمالية
وعلى بعد ألف ميل شمال تايوان، وتحديدًا في كوريا الشمالية، أشعل الرئيس كيم جونج أون سباق التسلح، بدعوته إلى زيادة هائلة في ترسانة الأسلحة النووية لبلاده، بدءًا من عام 2023، ويقوم ببناء أسطول من قاذفات الصواريخ المتنقلة "الكبيرة جدًا"، التي يمكن أن تضرب أي نقطة في الجنوب برأس حربي نووي.
وقد ذكر معهد كوريا الجنوبية لتحليلات الدفاع، في تقرير نُشر الخميس الماضي، إن خطة "كيم" يمكن أن تتجسد في 300 سلاح في السنوات المقبلة. وهذه خطوة كبيرة منذ عام 2022، عندما قدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلاح أن لدي بيونج يانج 20 سلاحًا نوويًا مجمعًا، وما يكفي من المواد الانشطارية لتكوين 55 سلاحًا نوويًا.
وبامتلاك 300 رأس نووي، تتقدم كوريا الشمالية على الدول النووية الراسخة "فرنسا والمملكة المتحدة"، وتلي روسيا والولايات المتحدة والصين في تصنيفات المخزون النووي.
كوريا الجنوبية تسعى لتطوير سلاح نووى
مثل هذا الاحتمال جعل رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول يتعهد بتعزيز بلاده عسكريًا. وقال "يون" هذا الأسبوع في تصريحات نقلتها وكالة "يونهاب" الإخبارية: "بناء قدرة عسكرية تسمح لنا بالرد 100 مرة أو 1000 مرة أكثر إذا تعرضنا للهجوم هو أهم وسيلة لمنع الهجمات".
وأثار "يون" احتمال قيام كوريا الجنوبية ببناء ترسانتها النووية، مشيرًا إلى أن بلاده يمكن أن تنشر أسلحة نووية تكتيكية أو تمتلك أسلحة نووية خاصة بها.
واشنطن تخشى امتلاك الكوريتين أسلحة نووية
وذكرت "سى. إن. إن" إن فكرة امتلاك شبه الجزيرة الكورية المزيد من الأسلحة النووية هو أمر تخشاه الولايات المتحدة بقوة، حتى لو كانت تلك الأسلحة تخص حليفًا، في إشارة إلى سول.
واستشهدت الشبكة على دعم الولايات المتحدة لكوريا الجنوبية، بزيارة حاملة طائرات أمريكية إلى ميناء "بوسان" الكوري الجنوبي العام الماضي، وأوضحت أنه كان مجرد عرض لواحدة من أقوى السفن الحربية لواشنطن في الفناء الخلفي لكوريا الشمالية، التي تعتبرها بيونج يانج تهديدًا.
وأشارت "سى. إن. إن" إلى أنه مع تسارع سباق التسلح في آسيا، فإن الشيء الوحيد الذي أصبح واضحًا هو أن الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، يشاركون في هذا السباق كحزمة واحدة، وليسوا أفرادًا منعزلين.