شنَّ نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس هجومًا عنيفًا على الحكومات الأوروبية، اليوم الجمعة، وانتقدها -خلال حديثه في مؤتمر ميونخ للأمن- لما وصفه بـ"تجاهلها إرادة شعوبها، وإلغاء الانتخابات، وتجاهل الحريات الدينية، وعدم التحرك لوقف الهجرة غير الشرعية".
ووصفت النسخة الأوروبية من صحيفة "بوليتيكو" خطاب "دي فانس" بأنه "كان على الطريقة الأمريكية"، وتشير إلى أنه "كان خطابًا مليئًا بالتفاصيل، مع تجنب مناقشة قضايا الدفاع والأمن بالتفصيل"، وهو الموضوع الذي يتناوله مؤتمر ميونخ للأمن.
وبدلاً من ذلك، تطرق "دي فانس" إلى بعض القضايا الساخنة التي أُثيرت مؤخرًا، من قوانين الإجهاض في بريطانيا إلى الانتخابات الأخيرة في رومانيا.
وقال نائب الرئيس الأمريكي: "إن التهديد الذي يقلقني أكثر من أي شيء آخر في ما يتصل بأوروبا ليس روسيا ولا الصين ولا أي طرف خارجي آخر.. بل التهديد من الداخل، تراجع أوروبا عن بعض قيمها الأساسية، القيم المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية".
ويأتي خطاب "دي فانس" في نهاية أسبوع من الارتباك والإحباط في أوروبا، بعد أن فاجأ وزير الدفاع الأمريكي الجديد بيت هيجسيث الحلفاء بقوله إن أوكرانيا لا تستطيع العودة إلى حدودها قبل الحرب مع روسيا، واستبعد عضوية أوكرانيا المستقبلية في حلف شمال الأطلسي "ناتو".
انتقادات كبيرة
فيما يؤكد أن هذه إدارة مختلفة تمامًا عن إدارة البيت الأبيض السابقة بقيادة الرئيس جو بايدن، لفت "دي فانس" -خلال حديثه في ميونخ- إلى أنه "في واشنطن يوجد شريف جديد في المدينة"، كناية عن العهد الثاني لدونالد ترامب.
وقال: "تحت قيادة دونالد ترامب، قد نختلف مع آرائكم، لكننا سنقاتل للدفاع عن حقكم في عرضها بالساحة العامة، سواءً وافقتم أو لم توافقوا".
وأضاف: "إن إقصاء الناس، ورفض مخاوفهم، وإغلاق وسائل الإعلام، وإغلاق الانتخابات، لا يحمي شيئًا.. إنها الطريقة الأكثر أمانًا لتدمير الديمقراطية.. إذا كنت تترشح خوفًا من ناخبيك، فلا يوجد شيء يمكن لأمريكا أن تفعله من أجلك".
وحسب الصحيفة، أثارت تعليقات "دي فانس" ذهول الحاضرين من خبراء السياسة والدفاع، بينما ركز خطابه إلى حد كبير على قضايا الحرب الثقافية والشعبوية، إذ اتهم الحكومات الأوروبية وما أسماه "مفوضي الاتحاد الأوروبي" بأنهم "أكثر اهتمامًا بقمع حرية التعبير من توفير الأمن لمواطنيهم".
وفي سابقة بارزة، انتقد نائب الرئيس الأمريكي الحليف الأقرب لبلاده، المملكة المتحدة، مُسلِّطًا الضوء على قضية الناشط المناهض للإجهاض آدم سميث كونور، الذي أُدين العام الماضي بانتهاك منطقة آمنة بالقرب من عيادة للإجهاض.
كما انتقد المحكمة العليا في رومانيا بسبب قرارها الصادر في نوفمبر الماضي بإلغاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في البلاد، بعد اتهام المرشح الرئاسي اليميني كالين جورجيسكو بالاستفادة من حملة غير قانونية على وسائل التواصل الاجتماعي "على الطراز الروسي"، حسب السلطات في بوخارست.
وقال "دي فانس": "عندما نرى المحاكم الأوروبية تلغي الانتخابات وكبار المسؤولين يهددون بإلغاء انتخابات أخرى، يتعين علينا أن نسأل أنفسنا ما إذا كنا نلتزم بمعايير عالية مناسبة".
كما هاجم مستويات الهجرة المرتفعة، وتطرق إلى نفس الموضوعات التي حرَّكت عودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، وأعرب نائب الرئيس الأمريكي عن تعاطفه مع ضحايا هجوم أمس الخميس في ميونخ، عندما قاد أفغاني سيارته وسط حشد من الناس، ما أسفر عن إصابة 28 شخصًا.
وقال: "كم مرة يجب أن نتحمل هذه النكسات المروعة قبل أن نغيّر مسارنا ونأخذ حضارتنا في اتجاه مختلف؟"، لافتًا إلى أن عدد المهاجرين من دول خارج الاتحاد الأوروبي الذين دخلوا الكتلة الأوروبية تضاعف من عام 2021 إلى عام 2022.
غضب وتأييد
أثار خطاب "دي فانس" حالة من الذعر في ميونخ -وفق تعبير "بوليتيكو"- حيث كان الحضور يتوقعون بعض الوضوح بشأن التعليقات المربكة التي أدلت بها الإدارة الأمريكية مؤخرًا بشأن التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا، ووجهات نظرها بشأن روسيا، وما إذا كانت القوات الأمريكية سوف تنسحب من أوروبا.
ونقلت الصحيفة عن السفير الأمريكي السابق لدى حلف شمال الأطلسي إيفو دالدر، تعليقه: "هذا كلام مجنون.. إنها ليست اللغة التي قد تتوقعها في القرن الواحد والعشرين، وبالتأكيد ليست من نائب الرئيس الأمريكي في أهم مؤتمر أمني في أوروبا".
ويرى "دالدر" أن "دي فانس" أضاع فرصة لشرح مواقف فريق ترامب بشأن محادثات أوكرانيا مع روسيا، موضحًا:"كل ما قاله هو أننا نعتقد أنه يجب أن يكون هناك سلام في مرحلة ما وهذا كل شيء.. لم يتم ذكر مسألة الأراضي والحدود، ومسألة الضمانات الأمنية، ومسألة العقوبات ومستقبلها، ومسألة دعم أوكرانيا ومستقبلها على الإطلاق".
كما قال مايكل ماكفول، السفير الأمريكي السابق لدى روسيا، إن "دي فانس" أخطأ في تشخيص المشكلة"، مضيفًا أن وصف الرقابة بأنها القضية الأكبر التي تواجه أوروبا أمر خاطئ.
وأضاف: "يعتقد دي فانس أن الرقابة هي المشكلة الأكبر التي تواجه أوروبا، وأعتقد -والعديد من الناس هنا يعتقدون- أن روسيا هي المشكلة ".
في المقابل، كان الملياردير إيلون ماسك -مستشار ترامب الأقرب- في غاية السعادة، ونشر تغريدة على منصته للتواصل الاجتماعي "إكس" كتب فيها: "اجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى".
بينما أشاد أحد الدبلوماسيين الأوروبيين بخطاب "دي فانس"، ووصفه بأنه "خطاب قوي للغاية، ولن يُعجَب كثيرون به، وسوف يتفق كثيرون معه بصمت لكنهم سيختارون عدم التعبير عن ذلك".
وأضاف: "كانت هناك معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بكيفية تعامل مؤسسات الاتحاد الأوروبي مع العملية الديمقراطية في بلدان أوروبية مختلفة".