تتوالى التحذيرات من التداعيات الخطيرة والمتشعبة للسياسات التجارية التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ يتوقع أن تتجاوز الأضرار الاقتصادية المباشرة لتطول النسيج الاستراتيجي للتحالفات الأمريكية حول العالم، بحسب مجلة "فورين بوليسي".
وتأتي هذه السياسات في وقت حساس، تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات متزايدة من منافسيها الدوليين، وخاصة الصين، ما يثير تساؤلات جدية حول مدى تناسق السياسة الأمريكية مع أهدافها المعلنة.
الحلفاء في خطر
في تطور يعكس تناقضات السياسة الأمريكية الحالية، أشارت "فورين بوليسي" إلى قرار ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب والألومنيوم، موضحة أن هذه الإجراءات، التي تم تبريرها باعتبارات الأمن القومي الأمريكي، تستهدف في واقع الأمر الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة بشكل مباشر.
فالمكسيك وكندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، جميعها تجد نفسها في موقف صعب أمام هذه الإجراءات التي تهدد اقتصاداتها، في حين أن الصين التي يُفترض أنها المصدر الرئيسي للمشكلة، تبدو بمنأى نسبي عن التأثيرات المباشرة لهذه القرارات، بحسب "فورين بوليسي".
وتزداد هذه المفارقة حدة مع حثِّ وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث في نفس الأسبوع حلف شمال الأطلسي "ناتو" على زيادة إنفاقه العسكري، وهو ما يتطلب اقتصادات قوية قادرة على تحمل هذا العبء الإضافي.
أوكرانيا والتناقض الاستراتيجي
وسلطت "فورين بوليسي" الضوء على الموقف من أوكرانيا الذي يقدم نموذجًا صارخًا لتناقضات السياسة الأمريكية الحالية وتأثيراتها السلبية على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، فبينما تسعى واشنطن جاهدة لمواجهة النفوذ الروسي وتعزيز استقلال أوكرانيا وازدهارها، يأتي قرار إلغاء الإعفاءات الجمركية الممنوحة لكييف ليوجّه ضربة قاسية لاقتصادها المتعثر أصلًا.
وتكشف الأرقام التي أوردتها فورين بوليسي عن حجم هذا التناقض، إذ إن صادرات أوكرانيا من الصلب للولايات المتحدة، والتي لا تتجاوز 0.3% من إجمالي الواردات الأمريكية، تمثل شريان حياة للاقتصاد الأوكراني.
وحذر ستانيسلاف زينشينكو، الرئيس التنفيذي لمركز GMK الاستشاري في أوكرانيا، من أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى تراجع إنتاج الصلب، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على الإيرادات الضريبية للدولة الأوكرانية التي تعتمد بشكل كبير على شركات الصلب التي دفعت أكثر من 6 مليارات دولار كضرائب خلال السنوات الخمس الماضية.
تقويض تحالفات آسيا
وتمتد تداعيات السياسات التجارية الأمريكية الجديدة لتطول العلاقات الاستراتيجية مع القوى الآسيوية الصاعدة، وعلى رأسها الهند، فمنذ سنوات تسعى واشنطن لتعزيز علاقاتها مع نيودلهي وجذبها بعيدًا عن نفوذ روسيا والصين، في محاولة لبناء توازن استراتيجي في منطقة المحيط الهندي، إلا أن الرسوم الجمركية الجديدة تهدد بتقويض هذه الجهود.
ونقلت المجلة عن ويندي كتلر، نائبة رئيس معهد آسيا للسياسات، تحذيرها من أن هذه السياسات ستؤدي إلى تراجع حماس الحلفاء والشركاء للتعاون مع الولايات المتحدة في مواجهة التحديات العالمية.
وتزداد المخاوف من أن تؤدي هذه السياسات إلى دفع الهند وغيرها من القوى الآسيوية نحو تعزيز علاقاتها مع الصين، وهو ما يتناقض تمامًا مع الأهداف الاستراتيجية الأمريكية المعلنة.
المستفيد الحقيقي
في ختام تحليلها، سلطت "فورين بوليسي" الضوء على المفارقة الكبرى في هذه السياسات التجارية، إذ تبدو الصين المستفيد الأكبر من حالة الارتباك والتوتر التي تسود العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين.
ونقلت المجلة تصريح كايا كالاس، رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، يلخص المشهد بقولها إن "الصين هي الطرف الوحيد الذي يضحك جانبًا بينما تغرق أوروبا والولايات المتحدة في حروب تجارية مدمرة للطرفين".
وأكدت المجلة أن هذه السياسات لا تؤدي فقط إلى إضعاف التحالفات الغربية، بل تقوِّض أيضًا الجهود المشتركة لمواجهة التحديات العالمية، وعلى رأسها صعود النفوذ الصيني في مختلف أنحاء العالم.