في ظل تصاعد التوتر في المشهد السياسي الإسرائيلي، أعلنت حركة حماس عن تأجيل تسليم المحتجزين الإسرائيليين، مُشيرة إلى خروقات إسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، في وقت توقفت فيه المفاوضات حول المرحلة الثانية من الاتفاق، إذ يترقب الجميع تداعيات هذه الأزمة على كل من قطاع غزة ومستقبل الحكومة الإسرائيلية والعلاقات مع الولايات المتحدة.
ويأتي هذا القرار في وقت يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتقادات داخلية حادة من قبل المعارضة، وسط اتهامات بالتخلي عن المحتجزين وإفشال الاتفاق.
حماس تؤجل تسليم المحتجزين
أعلنت حركة حماس تأجيل تسليم المحتجزين الإسرائيليين، الذين كان من المفترض الإفراج عنهم يوم السبت، إلى أجل غير مسمى، وأوضحت الحركة أن القرار جاء نتيجة "تأخير عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة واستهدافهم بالقصف وإطلاق النار، بالإضافة إلى منع دخول المساعدات الإغاثية، مشيرة إلى أن إسرائيل لم تلتزم ببنود الاتفاق؛ رغم التزام الحركة به".
ودخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي، حيث من المقرر أن تستمر المرحلة الأولى لمدة 42 يومًا، تُجرى خلالها مفاوضات لتنفيذ المرحلة الثانية، غير أن تأجيل تسليم المحتجزين يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الطرفين على الالتزام بالاتفاق، وما إذا كانت هذه التطورات ستؤدي إلى انهياره بالكامل.
انقسامات داخل إسرائيل
على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، اشتدت الانتقادات الموجهة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذ اتهمه نواب في الكنيست بمحاولة إفشال الاتفاق، وسط تصعيد في الاتهامات حول تخليه عن المحتجزين.
وفي جلسة ساخنة بالكنيست، قاطع نواب المعارضة كلمة نتنياهو؛ مما دفع رئيس الكنيست إلى طردهم.
وفي سياق متصل، فشلت المعارضة في تمرير مقترح لحجب الثقة عن حكومة نتنياهو، في خطوة تعكس استمرار الأزمة السياسية في إسرائيل.
وشهد الكنيست مواجهة كلامية حادة بين نتنياهو وزعيم المعارضة يائير لابيد، حيث وصف نتنياهو لقاءه الأخير مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه "إنجاز تاريخي"، مؤكدًا أن "التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة أقوى من أي وقت مضى"، حسب صحيفة "معاريف" العبرية.
وفي إشارة إلى قضية المحتجزين، قال نتنياهو إن إسرائيل نجحت في زيادة عدد المفرج عنهم؛ على الرغم من مقاومة حماس، إلا أن لابيد رد عليه باتهامات مباشرة، قائلًا: "لقد علمتم جميعًا بمأساة المحتجزين، لكنكم تباطأتم في التحرك"، داعيًا نتنياهو إلى زيارة عائلات المحتجزين لإثبات اهتمامه.
تعقيدات المرحلة الثانية
عاد الوفد الإسرائيلي المفاوض إلى تل أبيب، بعد جولة محادثات في الدوحة، حيث ناقش تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، ومن المتوقع أن يجتمع مجلس الوزراء السياسي والأمني قريبًا لتحديد شروط الانتقال إلى المرحلة الثانية، والتي تتضمن مطالب إسرائيلية مثل طرد قيادات حماس من غزة ونزع سلاح جناحها العسكري.
غير أن هذه الشروط تجعل الاتفاق أكثر تعقيدًا، إذ من المستبعد أن توافق حماس عليها، ما قد يدفع إسرائيل إلى تمديد المرحلة الأولى أطول فترة ممكنة؛ لضمان الإفراج عن المزيد من المحتجزين، وفقًا لمصادر إسرائيلية نقلتها صحيفة "يديعوت أحرنوت".
في إطار مفاوضات المرحلة الثانية، أكد موسى أبو مرزوق، القيادي في حماس، أن الحركة ستطالب بالإفراج عن القياديين الفلسطينيين مروان البرغوثي وأحمد سعدات، في خطوة قد تزيد من تعقيد المحادثات مع إسرائيل.
سيناريوهات مُحتملة
تضع هذه التطورات الحكومة الإسرائيلية أمام معضلة صعبة، بين العودة إلى القتال إذا انتهت المرحلة الأولى دون اتفاق على المرحلة الثانية، أو الموافقة على بعض مطالب حماس لتجنب تجدد المواجهات، في وقت يواجه نتنياهو ضغوطًا متزايدة من الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تطالب بالعودة إلى القتال وعدم تقديم أي تنازلات سياسية لحماس.
وحذر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، من أن قبول مطالب حماس سيشكل سابقة خطيرة، قد تدفع المنظمات المسلحة مستقبلًا إلى احتجاز المزيد من الإسرائيليين لتحقيق مكاسب سياسية، مؤكدًا أن الحكومة "لن تخضع لهذا الابتزاز".
أزمة دون حلول واضحة
بين تعثر المفاوضات واستمرار الخلافات الداخلية في إسرائيل، يبدو أن الوضع في غزة مرشح لمزيد من التعقيد، ومع غياب توافق حول المرحلة الثانية، قد تواجه إسرائيل قريبًا خيارًا صعبًا بين العودة إلى القتال أو تقديم تنازلات مؤلمة.
ووفق صحيفة "هآرتس" العبرية، فإن يسرائيل كاتس، وزير الدفاع الإسرائيلي، قال إن إعلان حركة حماس وقف إطلاق سراح المحتجزين انتهاك كامل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وأضاف وزير الدفاع الإسرائيلي، "لقد وجهت بالاستعداد على أعلى مستوى لأي سيناريو محتمل في غزة، ولن نسمح بتكرار أحداث 7 أكتوبر 2023".