بأسرع وتيرة لها في خمسة أشهر، ارتفعت أسعار المستهلكين في الصين خلال يناير الماضي، فيما ساهم زيادة الإنفاق خلال عطلة رأس السنة الصينية في إعطاء دفعة للاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والذي يعاني من ضعف الطلب.
وأظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء اليوم الأحد، أن مؤشر أسعار المستهلكين في الصين ارتفع 0.5% في يناير، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، متفوقًا على توقعات الاقتصاديين الذين استطلعت "رويترز" آراءهم، والذين توقعوا زيادة 0.4%.
ومثَّل هذا الرقم تسارعًا ملحوظًا مقارنة بشهر ديسمبر، الذي شهد زيادة ضئيلة بنسبة 0.1% على أساس سنوي، ليكون أعلى معدل نمو منذ أغسطس، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
أما أسعار المنتجين، التي تُمثل مقياسًا للتضخم عند بوابات المصانع، قتراجعت للشهر الـ28 على التوالي، مسجلة انخفاضًا بنسبة 2.3%، وهو تراجع أسرع قليلًا من توقعات الاقتصاديين التي كانت تشير إلى انخفاض بنسبة 2.2%، وهو ما يتماشى مع انكماش شهر ديسمبر.
وساعدت زيادة الإنفاق الاستهلاكي خلال فترة رأس السنة الصينية في رفع معدل التضخم لشهر يناير، إذ يسافر ملايين الصينيين إلى مسقط رأسهم ويتبادلون المغلفات الحمراء المليئة بالنقود.
كما شهدت العطلة التي صادفت وقتًا مبكرًا من العام 2025 زيادة في الإنفاق على السلع الغذائية، ويُعدّ التحضير للقاءات العائلة الكبرى من العوامل الدافعة للإنفاق في هذه الفترة.
وقالت دونج ليجيون، إحدى المسؤولات في المكتب الوطني للإحصاء الصيني، في بيانٍ: "من منظور سنوي، ارتفعت أسعار الخدمات والمواد الغذائية بشكل كبير بسبب وقوع عيد الربيع في شهر مختلف هذا العام"، مضيفة أن هذا الارتفاع كان أيضًا نتيجة لانتعاش أسعار الوقود، بحسب الصحيفة البريطانية.
ويمثل هذا النمو القوي في أسعار المستهلكين نقطة مضيئة نادرة للاقتصاد الصيني، الذي يعاني من خطر الانكماش بعد أزمة قطاع العقارات التي دخلت عامها الرابع، فضلاً عن تأثيرات الإغلاقات الصارمة الناتجة عن جائحة كوفيد-19 التي أدت إلى تراجع الثقة الاستهلاكية.
وفي الوقت نفسه، يعاني قطاع التصنيع، الذي كان سابقًا مصدرًا للنمو بجانب الصادرات، من التراجع أيضًًا، إذ سجلت أسعار المصانع انخفاضًا مستمرًا لأكثر من عامين، بينما انخفض الإنتاج لأول مرة في أربعة أشهر خلال يناير، في ظل تزايد المنافسة الأجنبية.
ويشير المحللون إلى أن الوضع قد يزداد سوءًا مع إعادة فتح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحرب التجارية مع بكين.
وفرض ترامب هذا الشهر زيادة بنسبة 10% على التعريفات الجمركية على السلع الصينية، وهي خطوة وصفها بأنها "الضربة الأولى"، وردت الصين بفرض رسوم تتراوح بين 10 إلى 15% على سلع مثل الغاز الطبيعي المسال والفحم والنفط الخام والمعدات الزراعية الأمريكية، والتي ستدخل حيز التنفيذ الاثنين المقبل.
ومن جهته، تعهد الرئيس الصيني شي جين بينج باتخاذ "إجراءات قوية" لتعزيز الإنفاق الاستهلاكي، كما كشف صانعو السياسات عن سلسلة من تدابير التحفيز الاقتصادي، ولكن المحللين يعتقدون أن ضغوط الانكماش ستظل تؤثر على الاقتصاد الصيني في عام 2025. كما تواجه بكين تحديات في محاولة تحفيز الاقتصاد وسط الضغوط التي تفرضها إجراءات ترامب الجمركية على اليوان الصيني.
وأثارت التوترات التجارية المتصاعدة قلقًا بشأن تدفقات رأس المال وقيّدت قدرة البنك المركزي الصيني على خفض معدلات الفائدة، ولتخفيف ضغوط السيولة التي تتزايد مع اقتراب عطلة رأس السنة، أضاف بنك الشعب الصيني مبلغًا قياسيًا قدره 2.2 تريليون يوان (300 مليار دولار) إلى النظام المالي قبل العطلة.
"عام الثعبان" يصادف اليوم الأول من السنة الصينية الجديدة تاريخ 29 يناير من هذا العام. ويُعرف هذا الاحتفال في الصين باسم "عيد الربيع" أو "السنة القمرية الجديدة"، ويتم الاحتفال به على نطاق واسع في الصين والعديد من دول شرق آسيا.