يبدو أن التصريحات النارية التي يطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في كل اتجاه، من السيطرة على قناة بنما إلى إخلاء قطاع غزة من سكانه مرورًا بشراء جرينلاند وضم كندا، ليست سوى ستار دخان كثيف، سوف ينقشع بمجرد الانتهاء من هدف آخر يجري تحقيقه على قدم وساق في أروقة السلطات الفيدرالية في واشنطن.
فبينما يعمل ترامب بالاستراتيجية التي وصفها مستشاره السابق ستيف بانون بـ "إطلاق النار بأسرع وتيرة"، ينبري حليفه المفضل ورجل الأعمال القوي إيلون ماسك ويقوم بتفكيك المؤسسات الفيدرالية التي تشكّل قوام سلطة الولايات المتحدة، بعد أن منحه الرئيس أعظم سلطة على الإطلاق تم منحها لفرد في الحكومة.
وكان بانون قد أشار إلى استراتيجية الدعاية الهجومية التي تعتمد على إمطار العقول بالكثير من المعلومات في أكثر من بودكاست. قال: "نظرا لأن وسائل الإعلام بها أغبياء لا يستطيعون التركيز إلا على شيء واحد، عليك أن تغمر أدمغتهم. عليك أن تقدم ثلاثة مقترحات، وسوف يتعاملون مع واحد منها، وسنقوم بعملنا بهدوء. وسوف يتكرر الأمر، مرارًا وتكرارًا".
الرئيس الحقيقي
في أول أسبوعين من تولي ماسك منصبه في الحكومة الفيدرالية، وهو الإشراف على كفاءة الحكومة (DOGE) تولى هو ونوابه السيطرة على أنظمة البيانات المالية الأمريكية؛ وقاموا بإلغاء البروتوكولات المهمة، وطردوا كبار المسؤولين المحترفين الذين كانوا يديرون هذه الأنظمة. لأن الحكومة الأمريكية من وجهة نظر ترامب هي "المعارضة" و"الدولة العميقة".
وسرعان ما أغلق ماسك برامج محددة، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وقام فريقه بإغراء الموظفين الفيدراليين بعروض للاستقالة مقابل رواتب عدة أشهر، آخرهم عملاء وكالة المخابرات المركزية (CIA). وكذلك يستهدف عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) الذين طاردوا ترامب قبل عودته إلى الرئاسة.
ويُنظر إلى عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الذين حققوا في أحداث 6 يناير 2021 والمعروفة بـ "أحداث الكابيتول" على أنهم أعداء ترامب، الذي يطالب الآن بالكشف عن هوياتهم، مما يعرضهم وعائلاتهم للخطر ما جعلهم يستصدرون أمرًا تقييديًا لهذا الغرض. كما أمر بإقالة جميع الأشخاص في المكاتب الحكومية الذين شاركوا في العمليات القانونية ضده وضد المتهمين والمدانين بالشغب.
كرة هدم
بينما خرجت 6 وكالات حكومية ضد تصرفات ماسك، ولجأت إلى المحاكم التي أصدرت أوامر قضائية لإيقافه "لكن أغنى رجل في العالم -وفقًا لأيديولوجيته النيوليبرالية- يواصل تفكيك الحكومة الفيدرالية كما وعد بذلك. وبطبيعة الحال، يملك ماسك مصالح تجارية بملايين الدولارات، ويفعل كل شيء لزيادة ثروته وقوته بطريقة غير مسبوقة"؛ كما أشار موقع "والا" العبري.
وينقل الموقع الإسرائيلي عن مصادر تحدثوا إلى ماسك، فإنه وفريقه يعملون على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع -حيث توجد أسرة في مكاتب مفتوحة له بالقرب من البيت الأبيض- كـ "كرة هدم للحكومة الفيدرالية"، التي يعيش موظفوها في صدمة "ويتحدثون مع بعضهم البعض فقط في رسائل مشفرة، لأن هناك خوفًا حقيقيًا على عملهم وحتى حياتهم".
وحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن "ماسك يعمل بمستوى من الحكم الذاتي لا يستطيع أحد السيطرة عليه، ويرى البعض أنه "الرئيس الحقيقي".
لكن -حسب الصحيفة- فإن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الضرر الذي يلحقه ماسك وترامب بوكالات الاستخبارات الأمريكية، التي نجحت خلال ولاية ترامب السابقة في منع فلاديمير بوتين من التأثير المباشر على السياسة الأمريكية".
الراحلون
أمس الأربعاء، قدم أكثر من 40 ألف موظف فيدرالي في الولايات المتحدة استقالاتهم في إطار عرض إدارة ترامب، في خطوة قد تقلل بشكل كبير من حجم القوة العاملة الفيدرالية، حسبما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال".
ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع من مكتب شؤون الموظفين، إن عدد العاملين الفيدراليين الذين قبلوا عرض الاستقالة يزيد عن 40 ألفًا، في حين أكد شخص آخر أن الرقم كان أعلى من ذلك. بينما قال البيت الأبيض، إنه يتوقع قبول ما بين 5 و10% من الموظفين الفيدراليين، ما يؤدي إلى توفير حوالي 100 مليار دولار سنويًا.
قبلها، وضعت إدارة ترامب جميع موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، في إجازة إدارية مدفوعة الأجر اعتبارًا من صباح السبت. كما تم وضع العشرات من موظفي وزارة التعليم في إجازة إدارية الأسبوع الماضي، مع طرد المزيد من الموظفين الذين يعملون في مجالات التنوع والمساواة والإدماج وإمكانية الوصول.