اختار مهندس تونسي ترك التدريس الأكاديمي والانحياز إلى حرفة صناعة البلاط الأندلسي التي تحظى بتقدير فني كبير، لكنها تعرضت للهجر على مدى عقود بسبب ضعف الاهتمام ونقص الأيدي العاملة المدربة.
ويؤكد المهندس المعماري سمير دغفوس أن التحول من مهنة التدريس إلى حرفة كهذه كان قرارًا مصيريًا، لكنه أصر عليه رغم انتقاد زملائه وبعض المحيطين، حين دفعه شغفه بفن العمل اليدوي لاتخاذ ذلك القرار، بحسب "رويترز".
وأوضح أن حاجته إلى البلاط الأندلسي أو ما يطلق عليه في تونس "الجليز العربي"، المعروف بأنماطه الهندسية المعقدة وألوانه الزاهية، لاستخدامه في مشاريع يعمل بها كانت هي الدافع الأول نحو تفكيره في فتح ورشة متخصصة بهذه الصناعة قبل 13 سنة.
وقال "دغفوس" لـ"رويترز" إنه تخرج في كلية الهندسة المعمارية بميلانو عام 1991، وخلال تكوينه الأكاديمي تعمّق في كل ما له علاقة بالتراث والأصالة والتاريخ، فتطور الأمر من الدراسة إلى الشغف والارتباط الوثيق بالتراث.
وأضاف أنه بعد العودة لتونس تخصص في الترميم والمباني القديمة، وأثناء إنجاز أحد المشاريع كان يحتاج إلى هذا النوع من البلاط فبحث عنه محليًا ولم يجده، وحينها قرر أن يؤسس ورشة لصناعة هذا المنتج.
وقال "دغفوس"، وهو يتحدث عن حرفته النادرة من داخل ورشته الواقعة على أطراف مدينة نابل بشمال شرق تونس: "صناعة البلاط الأندلسي هي صناعة ذات روح وخصوصية تاريخية وعلاقتي بها علاقة حميمية تعكس شغفي بكل ما هو تراثي"، مشيرًا إلى أن زوجته هي الأخرى مهندسة وساعدته في جميع مراحل تأسيس الورشة.
وأضاف: "بعد سنوات من العمل في مجال التدريس أو الهندسة قد يشعر الشخص بالرغبة في تجربة شيء جديد ومختلف، والعمل الحرفي يمكن أن يكون مجالًا مغريًا للتغيير، وهذا ما لمسته عندما خضت هذه التجربة".
لكن ثمة صعوبات تواجه دغفوس في تحقيق ما يصبو إليه من آمال في النهوض بصناعة البلاط الأندلسي لعل من أبرزها ندرة الأيدي العاملة المختصة وهو ما أرجعه إلى عزوف الشبان في تونس عن كل ما هو يدوي.
وقال إنه في بداية مشواره حوّل ورشته إلى مساحة للتأهيل والتدريب من أجل إعداد كوادر تونسية تسهم في إحياء حرفة صناعة البلاط الأندلسي التي اندثرت منذ حقبة السبعينيات، لكن محاولاته لم تكلل بالنجاح واضطر للاستعانة بعمالة من الخارج.
وأضاف أنه لحُسن الحظ يملك مصدرًا آخر للعيش ساعده على مواصلة حلمه وتأسيس ورشته، مشيرًا إلى أنه أمضى سنة كاملة لم يبع قطعة واحدة من البلاط قبل أن تتاح له فرص المشاركة في المعارض، وهو ما مثّل بالنسبة له دفعة قوية لمواصلة مشروعه.
ووسط نماذج مختلفة للبلاط الأندلسي المزين برسوم وألوان زاهية داخل الورشة يباشر العامل المغربي عزيز (43 عامًا) حرفته بإبتسامة هادئة فيما تتحرك يداه بخفة ومهارة لصنع قطع جديدة باستخدام آلة حديدية قديمة جدًا.
وقال "عزيز" إنه يعمل في صناعة البلاط منذ عام 1994 وتعلّم المهنة في المغرب وأحبها قبل أن يأتي إلى تونس.
وأضاف: "لم تكن مجرد مهنة، بل تحولت إلى قصة عشق تربطني بها إلى اليوم".