تتوالى أزمات الرئيس الأمريكي جو بايدن، منذ إعلان البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي، عن العثور على وثائق صُنفت أنها سرية، أثناء إفراغهم مكتب بايدن في مركز أبحاث "بن بايدن" للدبلوماسية والمشاركة العالمية، في واشنطن، تابع لجامعة بنسلفانيا، والذي كان يعمل به بايدن قبل استقالته لخوض السباق الرئاسي.
أوضح المستشار القانوني لـ"بايدن" ريتشارد ساوبر، في بيان، أن الرسائل تم اكتشافها نوفمبر 2022 وتم تسليمها إلى هيئة المحفوظات المسؤولة عن حفظ هذا النوع من المستندات الرسمية.
أوضح أنه عُثِر على هذا "العدد الصغير من الوثائق المصنّفة سرية" في "خزانة مُقفلة" في مركز الأبحاث.
رُغم زعم الرئيس الأمريكي بعدم معرفته بفحوى هذه الوثائق التي بلغ عددها نحو 12 رسالة، تعود إلى الفترة التي كان يتولى فيها منصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما (2009-2017) إلا أن هذا الأمر أدى إلى إثارة زوبعة قوية للرئيس الأمريكي؛ لتنضم إلى العديد من الأزمات الأخرى التي يواجهها في الداخل، خاصة مع خصومه في الحزب الجمهوري، فالأمر أصبح بمثابة فرصة قوية للحزب المناهض لبايدن خاصة لمرشح الرئاسة المتوقع الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يواجه أيضًا نفس الاتهام بتسريب وثائق سرية أخرى إبان فترة توليه رئاسة البيت الأبيض.. وكأن كرسي الرئاسة الأمريكي ضربته حمى تسريب المستندات السرية بصورة غير مفهومة حتى وقتنا الراهن.
سري للغاية
استمرارًا لسلسلة التسريبات الأمريكية أعلنت شبكة "سي بي إس نيوز" الإخبارية، عن مصدر لم تسمه، بأن معاوني الرئيس الأمريكي جو بايدن اكتشفوا مجموعة أخرى من الوثائق السرية في موقع غير مركز الأبحاث التابع لجامعة بنسلفانيا، الذي كان يعمل به عقب انتهاء ولايته كنائب للرئيس باراك أوباما.
وذكرت الشبكة، الأربعاء، أن معاوني بايدن يبحثون عن مواد سرية إضافية قد تكون في مواقع أخرى بعد العثور على مجموعة منها في نوفمبر في مركز الأبحاث الذي مقره واشنطن.
وقال التقرير إن مستوى تصنيف الوثائق الجديدة وعددها وموقعها الدقيق لم يتضح بعد، وأضاف أنه لم يتضح أيضًا موعد اكتشاف هذه الوثائق.
ولم يرد البيت الأبيض بعد على طلب للتعليق من "رويترز". ونقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن مصدر مطلع أوضح أنه بين الأغراض التي تم اكتشافها بمكتب بايدن، 10 وثائق سرية تتضمن مذكرات استخباراتية أمريكية ومواد إحاطة تناولت موضوعات من بينها أوكرانيا وإيران والمملكة المتحدة.
وأضاف المصدر، الذي لم يتم الكشف عن هويته، أن الوثائق تم العثور عليها داخل ثلاثة أو أربعة صناديق تحتوي أيضا على أوراق غير سرية تندرج تحت قانون السجلات الرئاسية.
وأوضح المصدر، أن الأغلبية العظمى من المواد التي عثر عليها في مكتب الرئيس الأمريكي بمركز الأبحاث، شخصية تخص عائلة بايدن، بما في ذلك مواد حول ترتيبات جنازة بايدن ورسائل التعزية.
وتلقى وزير العدل تقريرًا أوليًا عن التحقيق بشأن الوثائق، بحسب مصدر بسلطات إنفاذ القانون، ويواجه في الوقت الحالي قرارًا حساسًا بشأن كيفية المضي قدمًا، بما في ذلك ما إذا كان سيفتح تحقيقًا جنائيًا كاملًا.
تنصل بايدن
من جانبه، أوضح الرئيس الأمريكي بايدن، أنه لا يعلم محتوى الوثائق المضبوطة. وعلى هامش قمة أمريكية - كندية – مكسيكية، عقدت في مكسيكو قال للصحفيين: "لقد أبلغت بما عثر عليه وفوجئت عندما علمت أن وثائق متعلقة بالحكومة نقلت إلى ذلك المكتب، لكني لا أعرف ما تحتويه تلك الوثائق".
وأضاف أن محاميه "سيتعاونون بالكامل" خلال فحص هذه الوثائق، معربًا عن أمله في أن تنتهي عملية الفحص هذه "قريبًا".
ولفت بايدن إلى أنه حالما اكتشف محاموه أن بعض هذه الوثائق كان سريًا "فعلوا ما يتعين عليهم فعله، واتصلوا بهيئة المحفوظات" لتسليمها إياها.
وبمجرد العثور على الوثائق السرية لبايدن، اندلعت عاصفة سياسية وتساءل الجمهوريون والرئيس السابق دونالد ترامب عما إذا كانت عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي "ستهاجم مسكن بايدن والبيت الأبيض للبحث عن مزيد منها" مثلما حدث مع ترامب في أزمة ترامب عندما ذهب عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي لتفتيش منزل الرئيس الأمريكي السابق، في ولاية فلوريدا، بحثًا عن وثائق سرية أيضًا وهو الأمر الذي آثار حفيظة أنصار الرئيس السابق بصورة كبيرة وعرف إعلاميًا بأزمة "مارالاجو".
انتقام "ترامبي"
وأجج الكشف عن وثائق بايدن أزمة جديدة للرئيس الأمريكي، حيث انتهز خصومه من الجمهوريين هذه القضية، وأكدوا أن الرئيس السابق دونالد ترامب قد تلقى معاملة "غير عادلة" من قبل المستشار الخاص بالتحقيقات، والمفوض بشأن القضية الخاصة بتسريبه لوثائق سرية بمنتجع مارالاجو الخاص به، بحسب تحليل لشبكة "سي إن إن" الأمريكية.
وتحرك الحزب الجمهوري لإطلاق آلة تحقيقات تستهدف إثبات الاعتقاد القديم بأن "الديمقراطيين استخدموا الحكومة الفيدرالية ووكالات الاستخبارات كسلاح ضد المحافظين"، ولخلق أوجه تشابه بين سلوك ترامب كرئيس وتصرفات بايدن وأنصاره.
كما ترتد انتقادات بايدن اللاذعة حول طريقة تعامل سلفه مع المعلومات الاستخباراتية السرية، عليه، وبات يتهم بـ"النفاق".
ورغم أن القضاء سيقيم كل حالة على حدة وفقًا لطبيعتها القانونية، فإن العثور على وثائق سرية في مكاتب تعود لـ"بايدن"، يمكن أن يؤثر على فرصة توجيه اتهام جنائي لدونالد ترامب على خلفية قضية الوثائق السرية أيضا.
كما يدعم الحادث ادعاءات ترامب بتعرضه للاستهداف لعرقلة ترشحه لسباق البيت الأبيض لعام 2024، بل إنه يمكن أن يساعد في تنشيط حملة ترامب ويزيد زخمها بعد أن تلقت ضربات قوية في الفترة الماضية.
وفي غضون ذلك، طالب السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، حليف قوي لترامب، بتعيين "مستشار خاص" للتعامل مع ضجة وثائق بايدن.
ومن الصعب في الوقت الحالي، توقع كيف يمكن لوزير العدل ميريك جارلاند، الذي اتخذ خطوات حثيثة للتأكيد على أن الوزارة لا تحركها الميول السياسية، مقاومة تلك الدعوات في ظل تزايد الضغط السياسي.
لكن هناك اختلافات واضحة بين بايدن وترامب عندما يتعلق الأمر بالوثائق السرية، حيث أخطر محامو بايدن إدارة الأرشيف الوطني بمجرد اكتشاف الوثائق وسلموها إليهم على الفور، على عكس ترامب الذي رفض تسليم الوثائق الموجودة في حيازته مما دفع مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) لمداهمة منزله في فلوريدا لاستعادتها.