الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

معسكر القرن.. قنبلة أمريكية مشعة تحت جليد جرينلاند

  • مشاركة :
post-title
بقايا القاعدة المهجورة قد تنكشف بسبب ذوبان الجليد والثلوج بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

في أعماق البرية المتجمدة في جرينلاند، يختبئ سر مشع تحت الجليد، قد يُشكل صداعًا للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، إذا نفذ تهديده بالسيطرة على الجزيرة القطبية الشمالية الشاسعة.

وحسب النسخة الأوروبية من صحيفة "بوليتيكو"، فإن السر بعنوان "معسكر القرن"، وهو قاعدة عسكرية أمريكية تم بناؤها في عام 1959 أثناء الحرب الباردة، في محاولة لتطوير مواقع إطلاق نووية يمكنها الصمود في وجه ضربة سوفيتية محتملة.

لكن في الواقع، كان المشروع، الذي تضمن حفر شبكة من الأنفاق عبر الغطاء الجليدي في جرينلاند، وكان يعمل بواسطة مفاعل نووي صغير، غير قابل للتنفيذ بسبب الجليد المتغير باستمرار، وتم التخلي عنه في عام 1967.

ورغم أن الأمريكيين قاموا بتفكيك المفاعل وأخذوا معهم غرفة التفاعل النووي عندما غادروا في عام 1967، فإنهم تركوا وراءهم آلاف الأطنان من النفايات والحطام -بما في ذلك البقايا المشعة- لتُدفن تحت الغطاء الجليدي إلى الأبد.

لكن هذا كان قبل أن يعرف العالم تغيرات المناخ المتسارعة والتي قد تكشف عن هذه المواد المشعة بأسرع مما هو مخطط له.

ارتفاع الحرارة

مع ارتفاع درجات الحرارة في العالم، أصبح معسكر القرن، الذي يقع في واحدة من أكثر المناطق النائية على وجه الأرض، على بُعد حوالي 1500 كيلومتر شمال "نوك" -عاصمة جرينلاند- محور اهتمام متجدد وقلق بشأن المدة التي سيظل فيها تحت الجليد.

ووجدت دراسة نُشرت في عام 2016 أن بقايا القاعدة المهجورة قد تنكشف بسبب ذوبان الجليد والثلوج بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين.

وكتب الباحثون: "تسلط دراستنا الضوء على أن معسكر القرن يمتلك الآن أهمية سياسية غير متوقعة في ضوء تغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان". لاحقًا، قاموا بمراجعة نتائجهم في عام 2021 لاستبعاد ظهور القاعدة من الجليد حتى عام 2100 على الأقل.

وأثار هذا الكشف عاصفة سياسية في المنطقة الدنماركية التي تتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1979.

وطالب وزير خارجية جرينلاند، فيتوس كوياوكيتسوك، الدنمارك بـ "تحمل المسؤولية" وتنظيف حطام المنشآت العسكرية الأمريكية المهجورة في المنطقة، والتي يبلغ عددها 20 إلى 30 موقعًا مهجورًا في الغالب. بينما لم توافق جرينلاند، التي كانت مستعمرة دنماركية في السابق، على استضافة هذه المنشآت.

وكانت نوك وكوبنهاجن قد وقعتا في عام 2017، اتفاقية بقيمة 30 مليون دولار تقريبًا لتنظيف الحطام والنفايات. لكن معسكر القرن لم يكن مدرجًا في الاتفاقية.

تلوث الجليد

نقلت النسخة الأوروبية من صحيفة "بوليتيكو" عن بيبالوك لينج، عضو البرلمان عن أكبر حزب في جرينلاند ورئيس لجنة السياسة الخارجية في البرلمان، أن سكان جرينلاند "قلقون من أن معسكر القرن سوف يتسبب في التلوث مع ذوبان الجليد".

لكنها أضافت أن الأمر لا يقتصر على هذا المعسكر، في إشارة إلى القواعد المهجورة الأخرى.

وقالت: "هناك العديد من الأماكن التي تركوا فيها أطنانًا من النفايات. وتحتفظ الولايات المتحدة بنفايات عسكرية في جميع أنحاء القطب الشمالي".

كما نقلت الصحيفة عن ويليام كولجان، أستاذ علم الجليد والمناخ في هيئة المسح الجيولوجي الدنماركية، والذي قاد الدراسة التي أجريت عام 2016 حول الجليد المحيط بمعسكر القرن، إنه لم تكن هناك حتى الآن "أي محاولات" لتنظيف النفايات المشعة والسامة في المعسكر.

ورغم أن كولجان قام ذات مرة بحفر عميق في الموقع لاختبار نشاطه الإشعاعي، بناءً على طلب وزارة الصحة الدنماركية، إلا أنه قال للصحيفة إن هناك "جهدًا واعيًا لعدم الحفر في حقل الحطام"، حسب قوله.

وأضاف: "نحن لا نعرف في الواقع الطبيعة الكاملة لما يوجد هناك".

معسكر القرن

وُصِف معسكر القرن بأنه مدينة تحت الأرض، تضم كنيسة صغيرة وصالون حلاقة ومساكن كانت تؤوي في السابق مئات الأشخاص.

ولبنائه، تم نقل المعدات والإمدادات عبر الجليد على زلاجات ومقطورات جرارات من قاعدة "بيتوفيك" الفضائية القريبة، وهي أقصى منشأة عسكرية أمريكية شمالًا في العالم، والتي لا تزال نشطة حتى اليوم.

في تقرير بثته قناة CBS الأمريكية عام 1961، زار المذيع الشهير والتر كرونكايت القاعدة العسكرية. وظهر في برنامجه حفر أنفاق جليدية ضخمة في المعسكر، كما أظهر مهندسي الجيش الأمريكي وهم يسترخون في ثكناتهم تحت الأرض التي تعمل بالطاقة النووية، بينما يقرأون ويستمعون إلى التسجيلات.

والآن، أصبح كل ذلك مدفونًا تحت طبقات سميكة من الجليد.

وقال كولجان إنه وفريقه من الباحثين لم يتمكنوا من العثور على أجزاء من المعسكر، مثل مستودع الوقود، وكانوا يخشون "إزعاجه" كثيرًا، مؤكدًا: "إنه (يقصد المعسكر) بارد وعميق، لا تعبثوا به".

وحسب "بوليتيكو"، هناك طرق مختلفة يمكن أن تلوث بها معسكر القرن البيئة. أحدها هو إذا كان الجليد الذائب والثلج يحمل نفايات سامة إلى المحيط -مثل 200000 لتر من وقود الديزل تحت الجليد وفقًا لكولجان- أو إذا انكسر الجليد الذي يحتوي على القاعدة وشكل جبلًا جليديًا.

ورغم أنه من غير المحتمل أن يحدث أي من هذين في أي وقت من هذا القرن؛ فإن الاحتمال الأخير، رغم أنه من المرجح أن يستغرق آلاف السنين، لكن الجدول الزمني يتغير قليلًا اعتمادًا على مدى ارتفاع درجة حرارة العالم في العقود المقبلة.

وفي حين أن هناك توقعات مختلفة، فقد وجد تقرير للأمم المتحدة نُشر في أكتوبر الماضي أن الكوكب سوف يسخن بمقدار 2.6 إلى 3.1 درجة مئوية هذا القرن، مع عدم وجود فرصة للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى الهدف المتفق عليه في باريس في عام 2015 وهو 1.5 درجة مئوية.