على إثر الصفقة التي لا يزال غبارها يثير جدلًا سياسيًا وعسكريًا في ظلال معقدة تشهدها الساحة الإسرائيلية، إذ اعتبرت وسائل إعلام عبرية صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حركة حماس في قطاع غزة، بأنها واحدة من "الأسوأ في تاريخ إسرائيل".
وطرحت تساؤلات عميقة حول مكاسب الطرفين وخسائرهما، وبينما ينظر البعض إلى الاتفاق كنجاح سياسي واستراتيجي لحماس، يراه آخرون فشلًا ذريعًا لدولة الاحتلال على مستويات عدة.
نجاح حماس وفشل إسرائيل
أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه يعكس تفوقًا استراتيجيًا لحركة حماس، التي نجحت في تحقيق أهدافها الأساسية المتمثلة في الحفاظ على سيطرتها على قطاع غزة، وفقًا لتحليل تسفي يحزقالي، المحلل البارز في الشؤون العربية بموقع "i24NEWS"، فإن التحدي الحقيقي يكمن في المرحلة التي تلي تنفيذ الصفقة.
وأكد "يحزقالي" أن "حماس تمضي قدمًا في تعزيز قبضتها على غزة، وأن إسرائيل أخفقت في تغيير الواقع الاستراتيجي في القطاع أو تحقيق أي مكاسب سياسية ملموسة"، مشيرًا إلى "أن الهدف المركزي لحماس كان الحفاظ على سيادتها، ونجحت في ذلك بامتياز".
وأضاف يحزقالي: "حماس تريد شيئًا واحدًا فقط، وهو السيطرة على قطاع غزة، وأثبتت أنها قادرة على فرض شروطها".
أسوأ الصفقات في تاريخ إسرائيل
وقال ميخا كوبي، المسؤول السابق في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، بأن الصفقة الحالية تُعدّ واحدة من أسوأ الصفقات التي أبرمتها إسرائيل في تاريخها، مشيرًا إلى أن إسرائيل تجد نفسها مضطرة لدفع "ثمن باهظ" نتيجة إخفاقها في حماية مواطنيها من الأسر.
وأضاف: "الغموض يكتنف مصير الأسرى الإسرائيليين، لا يعرف أحد حالتهم الصحية أو ما إذا كانوا على قيد الحياة.. حماس تعمدت استنزاف الأعصاب الإسرائيلية من خلال المماطلة ورفض تقديم معلومات واضحة"، مؤكدًا أن إسرائيل أُجبرت على التنازل والقبول بشروط حماس بعد استنفاد خياراتها العسكرية والسياسية.
السنوار.. مهندس الصفقة
وصف "كوبي"، محمد السنوار -شقيق يحيى السنوار زعيم حركة حماس السابق- بأنه الشخصية الأكثر تأثيرًا في الصفقة، موضحًا أنه اتبع استراتيجية "الرهان على الوقت"، وقال إنه "الشخصية التي تتخذ القرارات في قطاع غزة، وهو من يحدد من سيتم إطلاق سراحه من الأسرى الإسرائيليين".
وأضاف أن السنوار "يراهن على عامل الوقت ويحاول الاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من الأسرى لأطول فترة زمنية، حتى يتمكن من تحقيق أكبر قدر من الربح مع مرور المزيد من الوقت".
من زاوية أخرى، أبدى المحلل العسكري يوسي يهوشوا قلقه بشأن التداعيات الأمنية للصفقة، مشيرًا إلى أن الوضع الأمني في الضفة الغربية قد يشهد تصعيدًا كبيرًا، وأن إسرائيل فقدت وسائل الضغط على حماس بعد تنفيذ الصفقة، ما يجعل أي مفاوضات مستقبلية أكثر صعوبة، وأن الخيار الوحيد المتبقي لإسرائيل هو العودة إلى المواجهات العسكرية في ظروف أشد تعقيدًا.
أبعاد الصفقة
وأجمعت التحليلات الإسرائيلية على أن حماس تمكنت من تحقيق مكاسب استراتيجية كبيرة من الصفقة، من أبرزها تعزيز شرعيتها السياسية داخليًا وخارجيًا، والاحتفاظ بسيطرتها على قطاع غزة دون تقديم تنازلات لإسرائيل، وتحقيق نجاح إعلامي وسياسي يعزز مكانتها كقوة مقاومة قادرة على مواجهة إسرائيل.
على الجانب الآخر، تبرز عدة نقاط ضعف في الموقف الإسرائيلي، منها إخفاق جيش الاحتلال في تحقيق أهداف الحرب، سواءً بتقويض قدرات حماس أو استعادة الأسرى دون شروط، والرضوخ لضغوط دولية ومحلية لتنفيذ الصفقة، رغم التحفظات الأمنية، واستنزاف الروح المعنوية للمجتمع الإسرائيلي نتيجة الغموض المحيط بمصير الأسرى.