الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

350 عاما للتعافي.. كيف غير الاحتلال وجه الحياة في غزة خلال 15 شهرا؟

  • مشاركة :
post-title
الاحتلال ترك قطاع غزة بلا مقومات للحياة

القاهرة الإخبارية - مصطفى لبيب

في طريقه إلى تدمير قدرات حماس العسكرية ومحاولة استعادة المحتجزين، هدم الاحتلال الإسرائيلي على كل معاني الحياة في قطاع غزة، خلال 15 شهرًا من الحرب المتواصلة والمدمرة، التي من المنتظر أن تستغرق عقودًا لتعود كما كانت.

وجاء الاتفاق الأخير برعاية الوسطاء لينهي على الأقل حالة القتل والدمار الواسعة التي تمارسها الآلة الإسرائيلية، وتعطي متنفسًا للفلسطينيين من أجل استعادة ولو جزء بسيط من حياتهم السابقة، التي دُفنت تحت أنقاض المباني والأحياء.

ومع آمال السلام التي من المفترض أن يحققها اتفاق وقف إطلاق النار المتضمن 3 مراحل، جاءت التصريحات الصادمة من الأمم المتحدة، لتؤكد أن الأمر قد يستغرق سنوات أو عقودًا حتى يتعافى القطاع بالكامل.

خريطة تظهر غزة بعد الحرب بـ5 أيام فقط -المناطق المدمرة باللون الأحمر-
خريطة تظهر غزة بعد الحرب بـ15 شهرًا -المناطق المدمرة باللون الأحمر -
انتشار الدمار

وحول كيفية انتشار الدمار في قطاع غزة، علينا العودة للوراء قليلًا عندما كان سكان غزة يستمتعون على الشواطئ الساحلية الممتدة والحدائق الخضراء والشوارع الممهدة في كل أحياء القطاع، وبحسب شبكة بي بي سي، انطلقت شرارة الدمار الأولى نحو الشمال.

وواصل الاحتلال الإسرائيلي في الأيام الأولى قصف مدينة غزة وغيرها من المراكز الحضرية في الشمال وأمرت المدنيين بالتحرك جنوب نهر وادي غزة من أجل ما أطلقوا عليه السلامة والحماية قبل أن تبدأ غزوها البري، نهاية أكتوبر الأول.

ولكن قوات الاحتلال الجوية شنت أيضًا غارات جوية على المدن الجنوبية التي كان مئات الآلاف من سكان غزة يفرون إليها من الشمال، وبحلول نهاية نوفمبر 2024، تحولت أجزاء من جنوب القطاع إلى أنقاض، كما حدث مع أغلب أجزاء الشمال.

كانت بلدة بيت حانون، التي تبعد كيلومترين فقط عن الحدود مع غلاف غزة، واحدة من أولى المناطق التي تعرضت للقصف الإسرائيلي، ولحقت بها أضرار جسيمة، وكشفت الأرقام الصناعية عن تدمير 5830 مبنى في المكان وتسوية أغلبه بالأرض.

وبعد 15 شهرًا من الصراع المميت، تم تدمير أكثر من 60% من المباني في قطاع غزة، إذ عانت مدينة غزة من الدمار الأشد، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن المباني المتضررة تشمل أكثر من 90% من الوحدات السكنية في غزة، إذ دمرت 160 ألف وحدة، وتعرض 276 ألف وحدة أخرى لأضرار بالغة أو جزئية.

صور الأقمار الصناعية تكشف انتشار ححجم الخيام في المواصي
خيام واسعة

قبل الحرب، كان معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة يعيشون في مدنها الأربع الرئيسية "رفح وخان يونس" في الجنوب، و"دير البلح" في الوسط، و"مدينة غزة" التي كان يسكنها 775 ألف نسمة، لكن الآن أصبح كل السكان تقريبًا نازحين.

ويرجع ذلك إلى أن غزة الآن التي يبلغ طولها 41 كيلومترًا وعرضها 10 كيلومترات أصبحت غير صالحة للسكن في أجزاء كبيرة منها، بعدما دمر الاحتلال أحياءً بأكملها وتسويتها بالأرض، كما تحولت الأراضي الزراعية إلى رمال وحطام، بسبب مركبات ودبابات القوات الإسرائيلية.

ونزحت العائلات عدة مرات عندما غيرت إسرائيل تركيز عملياتها، إذ طلبت في البداية من سكان الشمال الانتقال إلى الجنوب من نهر وادي غزة، الذي يقسم القطاع إلى نصفين تقريبًا، ثم أعلنت في وقت لاحق سلسلة من مناطق الإخلاء في الجنوب.

وتظهر صور الأقمار الصناعية انتشارًا واسعًا للخيام التي نصبها النازحون في المواصي، التي صنفتها إسرائيل "منطقة إنسانية"، أكتوبر 2023، وقدرت الأمم المتحدة أن أكثر من 1.2 مليون شخص كانوا يحتمون في المواصي.

ووسع الاحتلال الإسرائيلي، مايو الماضي، المنطقة العازلة لتشمل أجزاءً من خان يونس ودير البلح، بعد أن شنت هجومها البري على رفح الفلسطينية، التي لجأ أكثر من مليون فلسطيني إليها، وباتت مكتظة بالسكان حيث يعيش الأسر في خيام أو ملاجئ مؤقتة تجاوزت قدرتها الاستيعابية بكثير.

133 ألف شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الكارثي
انعدام الأمن الغذائي

ويعاني نحو 1.8 مليون شخص مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفقًا للهيئة المسؤولة عن إعلان المجاعة "IPC" بما في ذلك ما يقرب من 133 ألف شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الكارثي.

وألقى مسؤولون في الأمم المتحدة باللوم في هذا الوضع على القيود العسكرية الإسرائيلية على تسليم المساعدات، والاستمرار في الأعمال العدائية، وانهيار القانون والنظام، وكان من المفترض إدخال 300 شاحنة يوميًا، لكن في أسوأ الظروف لم يكن يدخل أكثر من 50 شاحنة وهو رقم هزيل.

اقتصاد متعثر

وكان للصراع تأثير مدمر على اقتصاد غزة، إذ قال البنك الدولي، إنه انكمش بنسبة 86% في الربع الأول من عام 2024، وهو أكبر انكماش اقتصادي على الإطلاق، مشيرين إلى أن ما يقرب من 100% من السكان يعيشون الآن في فقر مقارنة بـ64% قبل الحرب.

الاحتلال دمر معاني الحياة وترك غزة بلا اقتصاد تقريبًا

وارتفعت تكلفة الإمدادات الأساسية بنحو 250%، وقالت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، إن تكلفة الأضرار الناجمة عن الحرب تقدر بنحو 18.5 مليار دولار، أي نحو 7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لغزة، عام 2022.

وحذّرت من أن إعادة بناء اقتصاد غزة إلى مستواه، عام 2022، سيستغرق 350 عامًا، ما لم يتمكن من النمو بسرعة أكبر مما كان قادرًا على تحقيقه في ظل القيود الاقتصادية والقيود المفروضة على الحركة، منذ عام 2007.

الحطام المتراكم ومخلفات الحرب

وباتت أنظمة المياه والصرف الصحي غير صالحة للعمل بشكل كامل تقريبًا، وحذّرت الأمم المتحدة من تراكم القمامة حول المخيمات والملاجئ ومن خطر تلويث التربة وإمدادات المياه، بسبب المواد الكيميائية الناجمة عن الألواح الشمسية المدمرة والذخائر المستخدمة.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 50 مليون طن من الحطام المتراكم نتيجة الدمار، وبحسب منظمات الأمم المتحدة البيئية فإن إزالة ذلك الحطام ومخلفات الحرب المتفجرة قد يستغرق 21 عامًا، كما أن الأضرار البيئية الكبيرة والمتزايدة في غزة تهدد بإجبار شعبها على التعافي لفترة طويلة ومؤلمة.

وفي أحدث حصيلة لعدد الشهداء والمصابين، تبين أن عدوان الاحتلال خلال تلك الفترة خلف أكثر من 46 ألف شهيد فلسطيني أغلبهم من الأطفال والنساء، و110 آلاف مصاب وجريح، ومن المنتظر أن اكشف الأيام القادمة عن حجم الجثث الآخرى التي مازالت أسفل مئات الأنقاض المدمرة ولم يتم استخراجها.