الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

قلم وميكروفون وسط بحر دماء.. صحفيون في مجزرة الحقيقة بغزة

  • مشاركة :
post-title
تشييع أحد شهداء الإعلام في غزة

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في غزة، حيث يتداخل الدمار مع المعاناة، يقف الصحفيون في خط المواجهة، حاملين رسالة الحقيقة وسط بحر من الدماء. إلا أن استهدافهم يطرح تساؤلات عميقة حول حماية الإعلاميين في أوقات النزاعات. وبينما تستمر الحرب، يبقى السؤال: من سيحمي الحقيقة عندما يصبح نقلها جريمة؟

في أرض تشابكت فيها الحروب مع المعاناة، وتصاعد صدى الصواريخ مع أنين الأبرياء، يقف الصحفيون على خط النار، ينقلون الحقيقة للعالم وهم يعلمون أن كل تقرير قد يكون الأخير، وفي قطاع غزة، الذي تحول منذ 7 أكتوبر 2023 إلى ساحة حرب مستعرة، كانت الكاميرات والدفاتر أهدافًا ضمن قائمة الضحايا.

حصدت الحرب المستعرة والعنيفة التي حولت قطاع غزة إلى لوحة شاهدة على عجز إنقاذ الإنسانية أمام آلة قتل لا ترحم، أكثر من 46 ألف شهيد فلسطيني بينهم عدد غير مسبوق من الصحفيين، في مشهد يعكس التكلفة الباهظة للحقيقة وسط فوضى الدمار والقتل.

الشهيد الصحفي أحمد فطيمة مصور القاهرة الإخبارية
صحفيون في قلب الموت

منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، توالت التقارير التي تكشف عن حجم المأساة التي طالت الصحفيين في غزة، وتوالى سقوط المراسلين والصحفيين واحدًا بعد الآخر ثم عشرات وعشرات كانت قناة "القاهرة الإخبارية" ضمن أوائل وسائل الإعلام التي قدمت المصور الصحفي أحمد فطيمة، شهيدًا في إحدى غارات قوات الاحتلال على غزة نوفمبر 2023.

ووفقًا للجنة حماية الصحفيين الدولية، استشهد ما لا يقل عن 160 صحفيًا ومساعدًا إعلاميًا في هذا الصراع، مما يجعله أكثر الفترات دموية للصحفيين منذ أن بدأت المنظمة في تسجيل البيانات عام 1992.

وتباينت أعداد الشهداء من الصحفيين في غزة، إذ أشار تقرير صادر عن شبكة "سي بي إس نيوز" الأمريكية إلى استشهاد ما لا يقل عن 188 صحفيًا، وهو العدد الذي أعلنه مكتب الإعلام في القطاع المحاصر، فيما ذكر موقع "إن ديبث نيوز" الدولي أن العام2024 كان الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين على الإطلاق، إذ استشهد ما لا يقل عن 146 صحفيًا في غزة منذ أكتوبر 2023.

وأفادت الأمم المتحدة بأن الحرب حصدت أرواح أكثر من 45 ألف شخص، بينهم أكثر من 300 عامل إغاثة، وأكثر من ألف متخصص في المجال الطبي، إلا أن الصحفيين، الذين يعرّضون أنفسهم يوميًا للخطر لتوثيق الأحداث، كانوا الأكثر استهدافًا، لا سيما الفلسطينيون منهم.

وعلّق كارلوس مارتينيز دي لا سيرنا، مدير برنامج لجنة حماية الصحفيين في نيويورك، قائلاً: "يدفع الصحفيون في غزة الثمن الأغلى ـ حياتهم ـ لتوثيق الحقيقة، وغياب الحماية والمعدات والموارد يجعلهم عرضة للموت، وفي كل مرة يُقتل فيها صحفي، نفقد جزءًا من الرواية الحقيقية للأحداث".

استهداف ممنهج

وتتزايد التساؤلات حول ما إذا كان استهداف الصحفيين في غزة يتم بشكل ممنهج، إذ وصفت الدبلوماسية الأمريكية السابقة، هالة راريت، ما يحدث بأنه "استهداف منهجي للصحفيين لإسكات الحقيقة"، وأوضحت أنها وثّقت حالات مقتل الصحفيين وأرسلتها إلى كبار المسؤولين في واشنطن، لكنها واجهت رفضًا لإدانة هذه الأفعال بشكل علني"، وفق "سي بي إس نيوز" الأمريكية.

من جهته، نفى جيش الاحتلال الإسرائيلي الاتهامات، زاعما أن ضرباته تستهدف فقط الأهداف العسكرية، وادعى "أن بعض الصحفيين في غزة يعملون لصالح عناصر إرهابية، مما يجعلهم أهدافًا مشروعة"، إلا أن شبكات إعلامية كثيرة نفت هذه المزاعم بشدة.

ازدواجية المعايير

في غياب الصحفيين الدوليين، الذين مُنعوا من دخول غزة منذ بدء الحرب، وجد الصحفيون الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة تحديات متعددة، لم يكن عليهم فقط تغطية الأحداث، بل التعامل مع آثارها المباشرة، من غارات جوية متواصلة، ونزوح، وجوع.

طرحت الحرب في غزة تساؤلات حول معايير التغطية الصحفية الغربية، التي غالبًا ما تتجاهل التوثيق الكامل لمعاناة الفلسطينيين، الصحفية زهيرة حرب، من جامعة سيتي في لندن، لفتت إلى حادثة حذف لقطات من تغطية استفزازات المشجعين الإسرائيليين خلال أحداث في أمستردام، ما يعكس ازدواجية صارخة في تغطية الأحداث، وفق موقع "إن ديبث نيوز" الدولي.

وقالت الصحفية: "هل الشعور بالذنب الذي يلاحق الغرب بسبب الهولوكوست يُعطل استجابته لمعاناة الفلسطينيين؟ لقد أصبحت معاداة السامية ورقة تُستخدم لتجاوز القيم الصحفية الأخلاقية".

هل أخفقت وسائل الإعلام الغربية؟

في الوقت الذي تسعى فيه وسائل الإعلام الغربية لتحقيق التوازن في تغطية الأحداث، يتساءل البعض ما إذا كان هذا التوازن يعيق الحقيقة أحيانًا، ففي مشهد قتل الأطفال وتدمير المنازل، تبدو محاولات الحياد وكأنها تزييف للواقع.

ولفت "إن ديبث نيوز"، إلى أنه قبل عشر سنوات، في يناير 2015، أعلن العديد من قادة الغرب شعار "أنا شارلي" تضامنًا مع الهجوم على مجلة "شارلي إبدو" في باريس، متسائلًا "أين أصبحت أصوات الصحفيين الذين استُهدِفوا وقتلوا الآن؟ "أين الغرب؟"، "لماذا هذه المعايير المزدوجة الصارخة؟".