بينما تُلقي أزمات العالم ظلالها وسط حروب مستعرة، تبرز سويسرا كوسيط محايد يُسهم في دفع عجلة السلام العالمي، وفي إطار مساعيها الدائمة لتعزيز الحلول الدبلوماسية، أعلنت استعدادها لاستضافة لقاء رفيع المستوى يجمع بين الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، لبحث سبل إنهاء الصراع الدائر في أوكرانيا.
استعداد لقمة سلام مثيرة
قال نيكولا بيدو، رئيس الاتصالات بوزارة الخارجية السويسرية، وفق صحيفة "لوتان" السويسرية، "إن سويسرا أبلغت كلًا من أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة برغبتها في دعم الجهود الدبلوماسية لتحقيق السلام"، يأتي هذا التصريح في أعقاب قمة السلام العالمية التي استضافتها سويسرا، يونيو 2024، التي أكدت خلالها قدرتها على تيسير المبادرات الدبلوماسية.
ورغم ترحيب الكرملين بفكرة لقاء ترامب وبوتين، تبرز معضلة قانونية قد تُعيق تحقيق هذا الاجتماع، إذ تواجه سويسرا التزامًا بموجب نظام روما باعتقال الرئيس الروسي، بسبب مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
وتُتهم روسيا بإشرافها على الترحيل القسري لأكثر من 19.500 طفل أوكراني، وفقًا لقاعدة البيانات الوطنية الأوكرانية، ورغم هذه المذكرة، يملك المجلس الاتحادي السويسري صلاحية منح استثناءات عند ارتباط الأمر بمفاوضات السلام، ما يضع العاصمة السويسرية "برن" في موقف دقيق بين الالتزام القانوني ومساعي السلام.
مواقف الأطراف الرئيسية
دونالد ترامب: تعهد الرئيس الأمريكي المنتخب بإحضار طرفي النزاع "كييف وموسكو" إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب التي دخلت عامها الثالث.
وصرّح ترامب: "علينا أن ننهي هذه الحرب، إنها فوضى عارمة"، ومع ذلك، رفض الكشف عن تفاصيل محددة لمقترحات السلام، وسط أنباء عن رفض روسيا لبعض الأفكار الأولية لفريقه، وفقًا لما نشرته شبكة "بي بي سي".
فلاديمير بوتين: أبدى الكرملين انفتاحه على المحادثات، إذ قال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، إن موسكو ترحب باستعداد ترامب لحل المشكلات عبر الحوار، ومع ذلك تثير تصريحات بوتين ودعواته لما يُسمى "السلام من خلال القوة" مخاوف كييف من إمكانية فرض تسوية تصب في مصلحة موسكو.
كييف: بينما تُثمّن الحكومة الأوكرانية الدعم الأمريكي، فإنها تتخوف من أن يؤدي لقاء ترامب وبوتين إلى تقديم تنازلات لصالح روسيا، خاصة مع إعلان ترامب شكوكه حيال استمرار الدعم العسكري والمالي لكييف.
تحديات وسط المفاوضات
تعاني الأطراف المتنازعة تحديات عديدة:
أوكرانيا: تكافح القوات الأوكرانية لصد التقدم الروسي بشرق البلاد وسط نقص في الموارد البشرية والدعم الغربي.
روسيا: تواجه موسكو تضخمًا اقتصاديًا متزايدًا وخسائر بشرية فادحة، إذ يُقدر عدد القتلى والجرحى بين 600.000 و800.000 فرد، حسب "بي بي سي".
الولايات المتحدة: تبدو الإدارة الجديدة أمام اختبار صعب لتحقيق السلام دون الإضرار بمصالحها الاستراتيجية أو تقويض تحالفاتها الدولية.
حياد في مواجهة التحديات
تمثل سويسرا مثالًا حيًا على الحياد السياسي في أوقات النزاعات الدولية، ويعكس استعدادها لاستضافة القمة بين ترامب وبوتين إيمانها بقدرتها على لعب دور الوسيط الفاعل.
ومع ذلك، تُلقي التحديات القانونية والسياسية بظلالها على هذه المبادرة، إذ يجب على سويسرا التوفيق بين التزاماتها القانونية تجاه المحكمة الجنائية الدولية ومسؤوليتها الأخلاقية في دفع عجلة السلام.