أحدثت المُسيّرات تحولًا واضحًا في المواجهات بين القوات الأوكرانية والروسية، إذ أصبح الجيشان يستخدمان الطائرات بدون طيار بكثافة على خطوط المواجهة بينهما، وفق ما ذكرت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية.
ونقلت الصحيفة عن جندي في "لواء خيزاك" الأوكراني يدعى دينيس، قوله إن "خطوط المواجهة التي كانت على بعد طلقة نارية من بعضها البعض تحولت إلى منطقة قتل عميقة، حيث تستهدف فرق الطائرات بدون طيار الروسية والأوكرانية، المختبئة على بعد ميل إلى ثلاثة أميال خلف خط المواجهة في عام 2022، كنا نركض بالرشاشات".
ورغم أن الطائرات بدون طيار متوفرة بكثرة نسبيًا، فإن لواء خيزاك، الذي يتألف في الغالب من ضباط دوريات الشرطة الذين تطوعوا للقتال، يحاول استخدامها بحذر وصبر، وأظهر مقطع فيديو لطائرة بدون طيار وهي تحوم وتعيد ضبط نفسها بينما يحاول قائدها العثور على الزاوية المناسبة للضرب، مثل القناص.
ولا يزال القصف المدفعي أو قذائف الهاون مستمرًا في الحرب بأوكرانيا، لكن الطائرات الرباعية المروحية ذات السبع بوصات، القادرة على حمل كيلوجرام من المتفجرات، والتي تعمل بنظارات وجهاز تحكم محمول باليد، أصبحت منتشرة في كل مكان.
وعلى حد تعبير صامويل بينديت، خبير الطائرات بدون طيار في مركز التحليلات البحرية، تطور السلاح من كونه "جديدًا في عام 2022، إلى أحد الأسلحة المفضلة في عام 2023، إلى التجول في الفضاء التكتيكي بأكمله".
ولكن الهجمات الفردية ليست التكتيك الوحيد، إذ يتطور استخدامها. فمع تزايد الأعداد، كثيرًا ما يتم نشر هجمات جماعية بسيطة. ووصف دينيس قصفًا مدفعياً بطائرات بدون طيار على موقع روسي بالقرب من بلدة توريتسك على خط المواجهة في شرق دونباس قائلًا: "ألقينا 1.5 كيلوجرام من المتفجرات كل ثماني دقائق لمدة ثلاث ساعات، وفي النهاية انسحبوا".
ويتذكر أوليكسي، الذي كان جزارًا بالقرب من خيرسون في الجنوب قبل استدعائه، لحظة كاد فيها أن يلقى مصرعه بواسطة طائرة بدون طيار، قائلًا: "بدأت في الانخفاض، وبدأت في الركض.. ثم تعثرت بغصن شجرة واستمرت الطائرة بدون طيار في المضي قدمًا عبر المكان الذي كنت سأمر فيه".
وتتحرك الطائرات الصغيرة بدون طيار بسرعة 37 ميلًا في الساعة (60 كيلومترًا في الساعة)، وهي سرعة أسرع من السرعة القصوى التي بلغت 27.8 ميل في الساعة للعداء الجامايكي يوسين بولت.
وتجبر هذه الطائرات المركبات المدرعة على التحرك بسرعة من وإلى الخطوط الأمامية، لنقل القوات أو الضحايا، كما أن الكاميرات الحرارية تعني أنها قادرة على العمل بنفس الفعالية ليلًا، وقال "بينديت": "أصبحت القدرة على الضرب كبيرة.. لا يمكن أن يكون أي شيء آمنا في ساحة المعركة".
ويحد عمر البطارية من وقت الطيران، على الرغم من أن طائرة بدون طيار انتحارية يمكنها أن تسافر لمسافة تصل إلى 20 كيلومترًا في الطقس الجيد. ولكن الأولوية هي توفير المال من خلال نشر طائرات بدون طيار قاذفة، لذا فإن دائرة التشغيل الفعالة أقرب إلى 5 كيلومترات.
والطائرات بدون طيار FPV هي واحدة من نوعين مهيمنين في ساحة المعركة، أما النوعان الآخران فهما طائرات Mavic رباعية المراوح التجارية التي تصنعها شركة صينية، لكن المسيرات من طراز FPV أبسط ومصممة في أوكرانيا (أو روسيا) على الرغم من أن العديد من المكونات تأتي من الصين، كما يقول دينيس، الذي اعترف قائلًا: "شركة أوكرانية وعناصر صينية"، على الرغم من الجهود المبذولة للحصول على مكونات من أماكن أخرى.
ويصف الأوكرانيون جهودهم في مجال الطائرات بدون طيار بأنها مبادرة من المجتمع المدني، تم تنظيمها وتمويلها في البداية خارج الدولة، حيث يدفع الجنود وأصدقاؤهم وعائلاتهم ثمن الطائرات من خلال جمع التبرعات، بحسب "ذا جارديان".
وليس مألوفًا أن يقوم الأوكرانيون الذين يعيشون على بعد أميال من الجبهة بتجميع الطائرات بدون طيار في غرف المعيشة والمرائب، فيتم تسليمها إلى ورش عمل اللواء، مثل ثكنات لواء خيزاك بالقرب من ليمان، حيث يتم إجراء التعديلات النهائية.
ولكن التوازن بدأ يتغير وعززت وزارة الدفاع الأوكرانية إمداداتها، وأفادت بأنها سلمت 1.1 مليون طائرة بدون طيار أحادية الاتجاه حتى منتصف ديسمبر، فضلًا عن 100 ألف طائرة أكثر تطورًا.
وفي الوقت نفسه، زودت روسيا "1.2 مليون إلى 1.4 مليون"، وفقًا لـ"بيندت"، لذا فهناك "نوع من التكافؤ في الأعداد". ومن الناحية التكنولوجية، لا يوجد فرق كبير بين الجانبين، حيث ينسخ كل منهما بسرعة من الآخر.
وتشكل جهود الطائرات بدون طيار عنصرًا أساسيًا في جهود الحرب بأوكرانيا، والتي ترمي إلى استخدام الطائرات بدون طيار كشكل رخيص من أشكال الدفاع الجوي لإسقاط طائرات هجومية روسية أكثر تطورًا، وفق "ذا جارديان".
وتمكن طيارو الطائرات بدون طيار الأوكرانية من إسقاط طائرات بدون طيار روسية من طراز "أورلان ولانسيت" على ارتفاعات أعلى لعدة أشهر، ما أدى إلى تقليص قدرة موسكو على الاستطلاع بعيد المدى.
والدفاع الجوي مكلف للغاية، إذ يمكن أن يكلف من 100 ألف دولار إلى مليون دولار لضربة واحدة، لكن الطائرة بدون طيار قد لا تكلف سوى بضع مئات من الدولارات.
وأشارت " ذا جارديان" إلى أن الأوكرانيين يركزون على نحو متزايد، على تطوير طائرات بدون طيار قادرة على إسقاط المروحيات الروسية بشكل موثوق، وهو ما يتطلب طائرة بدون طيار قادرة على الطيران بسرعة تزيد على 100 ميل في الساعة على ارتفاع يزيد على 10000 قدم.
كما لفتت الصحيفة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في التوجيه والاستهداف في عام 2025، ولتطوير الطائرات بدون طيار البرية أو "غير الطائرة". ولكن من المرجح أن يهيمن حجم الإنتاج وكذلك التحسينات التدريجية في المدى والتصميم إذا استمرت الحرب.
والتشويش، على الرغم من أنه يشكل تهديدًا دائمًا، يتطلب طاقة مكثفة ويصعب الحفاظ عليه لأن الحرب الإلكترونية تتطلب إرسال إشارات أقوى وأكثر إزعاجًا.
وذكرت الصحيفة، أنه مع اقتراب تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وسط مخاوف من أنه قد يوقف هدايا الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا، فمن المرجح أن تصبح التكنولوجيا المحلية لتطوير المُسيّرات أكثر أهمية بالنسبة لكييف.