تُسيطر حالة من عدم اليقين على حلفاء الولايات المتحدة في آسيا، مع العودة الوشيكة للرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وفق ما ذكرت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية.
وتساءلت الشبكة في تحليل لها عن مدى صمود التحالفات التي شكلها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن في آسيا، خلال الولاية القادمة لترامب.
وقالت إن الولايات المتحدة على مدى عقود دعمت أمن حلفائها في آسيا، التي يوجد بها عدد من القوات الأمريكية العاملة في الخارج أكبر من أي مكان آخر في العالم.
ويتمركز عشرات الآلاف من الجنود في قواعد مترامية الأطراف في كوريا الجنوبية واليابان، الدولتان اللتان تلتزم الولايات المتحدة، مثل الفلبين وأستراليا، بمساعدتها إذا تعرضت لهجوم.
وحسب "سي إن إن"، يقول مراقبون في مختلف أنحاء المنطقة إن العديد من الأسئلة حول ترامب تدور في أذهان الزعماء المتحالفين مع الولايات المتحدة في آسيا، بشأن ما إذا كان سيطلب إنفاقًا دفاعيًا أكبر مما يستطيع الحلفاء تحمله، وما إذا كان سيتخذ خطوة متطرفة بسحب القوات الأمريكية إذا لم يتم تلبية أي من هذه المطالب، بالإضافة إلى مدى احتمالية عقده صفقات مع الرئيس الصيني شي جين بينج، أو زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تقوض مصالح حلفاء الولايات المتحدة.
وتشير الشبكة إلى أنه مع اقتراب موعد تنصيب ترامب في يناير، تواجه الحكومات في مختلف أنحاء آسيا أيضًا أسئلة وجودية محتملة حول الكيفية التي سيتعامل بها ترامب مع العلاقات الأمنية الأمريكية مع الأصدقاء والمنافسين، والوقوف إلى جانب حلفائه إذا تم اختبارها.
ومع دخول ترامب إلى مسرح عالمي أكثر خطورة وتعقيدًا مما كان عليه في بداية ولايته الأولى قبل ثماني سنوات، يقول المراقبون في آسيا إن تركيزه يبدو منصبًا على زيادة الضغوط الاقتصادية على الصين بدلًا من الأمن الإقليمي.
وقال سام روجيفين، مدير برنامج الأمن الدولي في معهد لوي في سيدني، إن "أولوية ترامب تتركز بشكل كبير على العلاقات الاقتصادية وعلى عدم خسارة الولايات المتحدة اقتصاديًا أمام الصين"، ولكن هناك القليل من الدلائل على "اهتمامه العميق بالتوازن العسكري أو الاستراتيجي في شرق آسيا".
وصدم ترامب الزعماء الأوروبيين في وقت سابق من هذا العام بقوله إنه سيشجع روسيا على أن تفعل "كل ما تريد" لأي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي لا تفي بإرشادات الإنفاق الدفاعي للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وقبل أسابيع من يوم الانتخابات، حوّل ترامب الأضواء صوب آسيا، قائلًا إنه لو أصبح رئيسًا، فإن كوريا الجنوبية ستدفع 10 مليارات دولار سنويًا لاستضافة القوات الأمريكية، أي حوالي 8 أضعاف المبلغ الذي اتفقت عليه سيول وواشنطن مؤخرًا.
تنفق كوريا الجنوبية بالفعل أكثر من 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة معيارًا لحلفائها. وعلى مدى العقد الماضي، دفعت كوريا الجنوبية أيضًا 90% من تكاليف توسيع معسكر همفريز، أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الخارج.
وأثارت تعليقات ترامب مخاوف في سيول، من أنه قد يسعى إلى إعادة التفاوض على تقاسم تكاليف القوات الأمريكية، وقد يؤدي فشل إعادة التفاوض، وفق المراقبين، إلى قرار ترامب بتقليص أو سحب القوات الأمريكية المخصصة لمواجهة التهديد من جارتها الشمالية المتحاربة.
كما أن تضاؤل التزام الولايات المتحدة قد يدفع سيول أيضًا نحو تطوير ترسانتها النووية الخاصة، وفق الخبراء.
في اليابان، أبدى الخبراء أسفهم على أوجه القصور الملحوظة في رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا مقارنة بالراحل شينزو آبي، المعروف باسم "هامس ترامب" في آسيا بسبب براعته في التقرب من الرئيس المنتخب خلال فترة ولايته الأولى.
ومن المرجح أن تؤكد الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في آسيا على التغييرات الجذرية التي طرأت على موقفها الدفاعي منذ تولى ترامب السلطة آخر مرة. لقد ابتعدت طوكيو عن الدستور السلمي الذي فرضته الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث تتحرك لتعزيز الإنفاق الدفاعي إلى حوالي 2% من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2027 وشراء صواريخ كروز أمريكية.
وحسب "سي إن إن"، تراقب البلدان في مختلف أنحاء آسيا أيضًا ما إذا كانت إدارة ترامب ستبقي على جزء أساسي من إرث بايدن، وهو الجهود المبذولة لبناء شبكة من الشراكات الأمريكية المتشابكة" في جميع أنحاء آسيا، وهي جزء من استراتيجية الإدارة "الاستثمار والمحاذاة والتنافس" لمواجهة بكين.
وعزز بايدن مجموعة الأمن الرباعية (الهند واليابان وأستراليا والولايات المتحدة)، وأسس شراكة إيكواس (أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) التي تهدف إلى تزويد كانبيرا بغواصات تعمل بالطاقة النووية، كما توسط في زيادة كبيرة في التنسيق الأمني بين اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وأستراليا.
وحسب "سي إن إن"، قد يتخلى ترامب عن هذه العلاقات أو يحافظ عليها أو حتى يعمقها. ولكن في الوقت نفسه، سوف يسعى حلفاء أمريكا الآسيويون إلى التحوط ضد أي تراجع في الدعم الأمريكي.
وقال موراتا كوجي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة دوشيشا اليابانية، إن "الولايات المتحدة لم تعد الآن العنصر الثابت في الشؤون الدولية، بل أصبحت المتغير".
وأضاف "لهذا السبب يتعين علينا توسيع أمننا خارج الولايات المتحدة"، مشيرًا أيضًا إلى حاجة طوكيو إلى تعميق شراكتها مع أوروبا بشأن المخاوف المشتركة.
ومع ذلك، يشعر الخبراء في مختلف أنحاء المنطقة على نطاق واسع أنه من غير المرجح أن تكون هناك تغييرات جذرية في الوجود الأمني الأمريكي في عهد ترامب، من حيث سحب القوات أو تمزيق اتفاقيات التحالف، خاصة في ضوء التركيز الأمريكي على التحدي الذي تشكله الصين.
وقال كولين كوه، وهو زميل بارز في كلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة: "إن الحقائق والظروف الجيوسياسية ستجبره على محاولة الحفاظ على القوات في المنطقة، والسيناريو الذي أفكر فيه هو إعادة التفاوض أكثر منه الانسحاب التام".