تستعد بولندا لتسلم دفة القيادة في الاتحاد الأوروبي مع بداية العام الجديد 2025، إذ تتولى رئاسة مجلس الاتحاد لـ6 أشهر، في توقيت حساس يواجه فيه رئيس الوزراء دونالد توسك، معركة سياسية داخلية قد تحدد مستقبل البلاد السياسي لسنوات مقبلة، وفي هذا الصدد تكشف صحيفة "بوليتيكو" عن تفاصيل التحديات والمعضلات التي تواجه وارسو في هذه المرحلة المفصلية.
صراع السلطات
في تفاصيل الأزمة الداخلية، تكشف "بوليتيكو" عن معركة سياسية محتدمة بين الحكومة والرئاسة، إذ يواصل الرئيس البولندي أندريه دودا، المنتمي لحزب القانون والعدالة المعارض، تقويض جهود حكومة توسك الإصلاحية بشكل منهجي.
وتتجلى هذه المواجهة في رفض "دودا" التوقيع على تعيين السفراء الجدد، وعرقلة تنفيذ البرنامج الانتخابي للحكومة، ما يضع البلاد في حالة من الجمود السياسي.
وتزداد المخاوف من أن الانتخابات الرئاسية المقررة، مايو 2025، قد تؤدي إلى انتخاب رئيس آخر من المعارضة، ما قد يطيل أمد هذا الصراع حتى نهاية ولاية الحكومة في 2027.
وعلى الرغم من أن ائتلاف توسك الوسطي لا يزال يتقدم في استطلاعات الرأي على حزب القانون والعدالة القومي المعارض، فإن هذه الأفضلية قد تتبخر إذا أخفقت الحكومة في تنفيذ وعودها الانتخابية.
وتشمل هذه الوعود قضايا حساسة مثل تسهيل الوصول إلى الإجهاض والسماح بالشراكات المدنية بغض النظر عن النوع الاجتماعي، وهي قضايا تتطلب موافقة رئاسية للمضي قدمًا في تنفيذها.
تحديات جيوسياسية
في خضم هذه التحديات الداخلية، تواجه بولندا تحديات خارجية لا تقل خطورة، إذ تتصدر قضية الأمن الأوروبي أولويات رئاستها للاتحاد، وفي هذا الصدد تنقل "بوليتيكو" عن وزير الشؤون الأوروبية البولندي آدم شوابكا، تأكيده أن الأمن بأبعاده المختلفة سيكون محور التركيز الرئيسي لبلاده خلال فترة رئاستها، خاصة في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا والتوترات العالمية المتصاعدة.
وتزداد المخاوف البولندية مع احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إذ تخشى وارسو من أن تؤدي مساعي ترامب للتوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا إلى إجبار كييف على التنازل عن أراضٍ لصالح روسيا.
وترى بولندا، التي قادت مع دول البلطيق الجهود الأوروبية لدعم أوكرانيا عسكريًا وماليًا منذ بداية الخرب الروسية الأوكرانية في 2022، أن مثل هذا السيناريو قد يشجع موسكو على المزيد من التوسع الجيوسياسي.
مستقبل العلاقات الأوروبية
تكشف "بوليتيكو" عن توترات كامنة في العلاقات الأوروبية، إذ تأمل بروكسل في أن يعمل توسك، الذي شغل سابقًا منصب رئيس المجلس الأوروبي، مع فرنسا وألمانيا لإعادة تنشيط الاتحاد الأوروبي، إلا أن "مثلث فايمار" الذي يجمع الدول الثلاث لم يحقق سوى نجاحات محدودة منذ عودة توسك إلى السلطة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى انشغاله بالقضايا الداخلية، فضلًا عن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كل من باريس وبرلين.
وعلى الرغم من أن عودة توسك أعادت بولندا إلى المعسكر الأوروبي الوسطي المؤيد للتكامل، بعد سنوات من سياسات حزب القانون والعدالة القومية المحافظة، إلا أن وارسو لا تزال خارج الإجماع الأوروبي في ملفات حساسة مثل سياسات المناخ والهجرة.
وتنقل الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي، مخاوف الدول الأعضاء والمفوضية من أن تضع بولندا مصالحها الوطنية قبل المصالح الأوروبية في هذه الملفات الحساسة.
وتختتم "بوليتيكو" بتقييم واقعي لآفاق الرئاسة البولندية، إذ تشير المصادر الأوروبية إلى أن البعثة البولندية في بروكسل، وليس الإدارة في وارسو، هي التي ستقود العمل على المستوى الأوروبي، خلال الأشهر الستة المقبلة.
وتتوقع المصادر أداءً متواضعًا للرئاسة البولندية، خاصة مع انشغال المفوضية الأوروبية الجديدة بترتيب أوراقها، وتأخر طرح المقترحات التشريعية حتى النصف الثاني من الرئاسة البولندية.