لا يزال المسرح متنفسًا للمبدعين، وشهد عام 2024 نشاطًا مكثفًا على المستويين المصري والعربي، مع مجموعة من العروض المتميزة التي جذبت اهتمام الجمهور والنقاد على حد سواء، ومهرجانات مثلت نافذة للمواهب الجديدة، لتستمر خشبات المسرح في دورها المحوري لإثراء الثقافة والفن في المنطقة.
يستعرض موقع "القاهرة الإخبارية" في هذا التقرير حصاد المسرح خلال عام 2024، وأبرز المحطات المسرحية في مصر والعالم العربي، مع تسليط الضوء على العروض والمهرجانات التي تميزت في هذا العام، ورأي عدد من المسرحيين والمتخصصين في الحركة المسرحية والتحديات التي واجهته هذا العام.
عروض مسرحية
تميز هذا العام بكثير من العروض على مسارح الدولة، كما استقطب المسرح القومي نجومًا كبار، فقدمت فرقة المسرح القومي بقيادة الدكتور أيمن الشيوي عام 2024، عرضًا جديدًا تحت عنوان "مش روميو وجولييت"، المستوحى من نص الكاتب البريطاني الشهير ويليام شكسبير، نجح في جذب الأنظار، وأظهر الفنانان علي الحجار ورانيا فريد شوقي أداءً قويًا، بينما قدّم الشاعر أمين حداد صياغة شعرية مميزة للعمل تحت إخراج عصام السيد.
في الوقت نفسه، قدمت فرقة المسرح الكوميدي عرض "العيال فهمت"، الذي أخرجه شادي سرور، المأخوذ عن الفيلم الغنائي الشهير "صوت الموسيقى"، ليؤكد على التجديد المستمر في المشهد المسرحي المصري.
ووضعت الفنانة إسعاد يونس بصمتها الخاصة على خشبة المسرح، من خلال تسجيل صوتها في مسرحية "ذات والرداء الأحمر" التي عُرِضت للأطفال على مسرح القومي للعرائس، وأعرب الدكتور أسامة محمد علي، مدير مسرح العرائس، عن تقديره لدورها في إثراء العرض ومنحه المزيد من القيمة الفنية.
مهرجان العلمين
في مهرجان العلمين، الذي أُقيمت دورته الثانية في أغسطس 2024، قُدِّمت 10 عروض مسرحية متنوعة، من أبرزها "حبيبتي من تكون" الذي تناول السيرة الذاتية للفنان الراحل عبد الحليم حافظ، و"فيلم رومانسي" الذي عُرِض على مسرح "نورث سكوير"، وكذلك "التلفزيون" الذي جمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في تقديم كوميدي لافت، كما شهد المهرجان عروضًا متنوعة مثل "الستات عايزة إيه؟"، و"عملوها إزاي"، و"حدوتة بعد النوم".
ومن العروض المميزة التي لاقت إعجاب الجمهور في مهرجان العلمين كانت "الشهرة"، و"بولاك روج"، و"دكان الأحلام". كما كان "السندباد" من أبرز العروض التي شارك فيها كريم عبد العزيز ونيللي كريم.
المهرجانات منصات للإبداع
على مستوى المهرجانات، شهد عام 2024 العديد من المهرجانات المسرحية الهامة في مصر والعالم العربي، كان أبرزها المهرجان القومي للمسرح المصري برئاسة الفنان محمد رياض، والذي شارك فيه 33 عرضًا من مختلف الهيئات والجهات الفنية، كما قدم ثلاثة عروض شرفية دون المشاركة في المسابقة.
وكان مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الـ31 من أبرز المحافل الفنية في مصر، وأقيم في الفترة من 1 إلى 11 سبتمبر بمشاركة 26 عرضًا مسرحيًا من 19 دولة عربية وأجنبية، وقدم عروضًا رائعة تميزت بالتجريب والابتكار، ما جعله حدثًا استثنائيًا في المشهد المسرحي الدولي.
وفي الدورة 24 من مهرجان الكويت المسرحي، عُرضت مسرحية "لا تهدي وردة" التي تناولت موضوعات "الموت والأمل في الحياة"، وكانت إحدى من أبرز العروض خلال المهرجان.
من المهرجانات العربية الهامة التي أقيمت خلال العام، كان مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في دورته التاسعة التي انطلقت فعالياتهت في 15 نوفمبر الماضي، وشارك فيه العديد من الشباب المبدعين، ومنح تكريمًا خاصًا لاسم المخرج الكبير جلال الشرقاوي الذي حملت الدورة اسمه، بجانب سيدة المسرح العربي سميحة أيوب التي شغلت منصب الرئيس الشرفي.
وعلى المستوى الدولي أيضًا، أُقيمت الدورة الـ8 لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في منطقة الكهيف، حيث عرضت خمسة عروض لاقت إعجاب جمهور المهرجان. كما كانت دورة مهرجان أيام قرطاج المسرحية الـ25 فرصة رائعة للقاء المبدعين من جميع أنحاء الوطن العربي، حيث تم عرض مجموعة من العروض المسرحية والموسيقية في شارع الحبيب بورقيبة.
المسرح العربي
خلال عام 2024، تواصلت النجاحات والإنجازات في عالم المسرح العربي، فكانت هناك عروض مبتكرة ومهرجانات مسرحية متميزة ساعدت على تعزيز مكانة المسرح العربي في العالم. من القاهرة إلى الكويت، ومن تونس إلى الشارقة، قدم الفنانون العرب أعمالًا متنوعة جمعت بين التقليد والحداثة، أكدت دور المسرح كأداة حيوية للتعبير عن الواقع وتحفيز الفكر النقدي في المجتمع.
المخرج عمرو قابيل: نشاط جيد دون طفرات كبرى
من جهته، أكد المخرج عمرو قابيل، مؤسس ملتقى القاهرة للمسرح الجامعي، وجاء ذلك في سياق تقييمه للمشهد المسرحي هذا العام، أنَّ عام 2024 شهد حركة مسرحية جيدة على مستوى الإنتاج والنشاط، لكنَّه أشار إلى غياب الطفرات أو الأحداث المسرحية الكبرى التي تستحق التوقف والانتباه، مشيرًا إلى سيطرة المهرجانات المسرحية على الفضاء المسرحي، ما جعل المشاركة فيها الهدف الأبرز للمسرحيين، سواء على المستويين المحلي أو الدولي.
ظاهرة تحتاج إلى دراسة
وأوضح "قابيل"، لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن المهرجانات المسرحية أصبحت ظاهرة مهيمنة في السنوات الأخيرة، ما يستدعي التوقف لدراستها بعمق لتقييم إيجابياتها وسلبياتها ومدى تحقيقها للأهداف المرجوة، سواء على المستوى المحلي أو العربي.
وأشار إلى أن هناك بعض التجارب المسرحية الجيدة، من بينها تجربة "مسرح الجماهير"، الذي يحقق تقدمًا لافتًا ويأخذ مكانة مميزة على الساحة المسرحية.
تطور المسرح الجامعي
كما أشاد بتطور المسرح الجامعي في مصر، مشيرًا إلى أن العرض الذي يمثل مصر في مسابقة مهرجان الهيئة العربية للمسرح هذا العام كان إنتاجًا لمسرح جامعي، واعتبر ذلك دليلًا على النمو الكبير لهذا القطاع، الذي بدأ يفرض نفسه بقوة.
وأضاف أن المنافسات الدولية، والتواجد الثقافي والفني المتنوع داخل مصر، كان لهما دور كبير في تطوير المسرح الجامعي، مشيدًا بنجاح العديد من عروض هذا القطاع محليًا ودوليًا.
مسرح القطاع الخاص
أما عن مسرح القطاع الخاص، يتمنى قابيل أن تشهد في الفترة المقبلة تنوعًا أكبر لتستقطب جمهورًا أوسع وأكثر تنوعًا.
إنتاج جيد
وفي ما يخص مسرح الدولة، أكد "قابيل" أنَّ إنتاجه يستمر بشكل دوري، لكنه يفتقر إلى الطفرات الكبرى، على الرغم من وجود بعض العروض الجيدة والممتعة التي تُقدم لفترات محدودة قبل أن تنتهي. وأشار إلى أن غياب الرؤى والمدارس المسرحية الجديدة هو نتيجة التركيز على المشاركة في المهرجانات أكثر من تقديم تجارب مسرحية أصيلة.
تراجع النقد المسرحي
ولفت قابيل إلى تراجع دور النقد المسرحي، ما أثر على تحليل وإبراز المدارس الفنية الحديثة، وأعرب عن أمله في أن يشهد عام 2025 اهتمامًا أكبر بالحركة النقدية، إلى جانب تفعيل استراتيجيات واضحة لتطوير المسرح المصري وتسليط الضوء على التجارب ذات الرؤى المتجددة.
دعا قابيل إلى ضرورة التعاون بين المؤسسات الثقافية والإعلامية، خاصة بين الشركة المتحدة والهيئة الوطنية للإعلام، لتصوير وتوثيق العروض المسرحية المميزة وتقديمها للجماهير بطرق مبتكرة، وأكد أن هذا التعاون سيخدم المسرح المصري ويعزز ارتباط الجمهور به.
المخرج مازن الغرباوي: بروز جيل جديد واعد
وقال المخرج مازن الغرباوي، رئيس مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، إن عام 2024 شهد إنتاجًا محدودًا في الأعمال المسرحية، خاصة على مستوى البيت الفني للمسرح، لكنه -رغم ذلك- أكد أنه كان مليئًا بالأنشطة الثقافية والمهرجانات، مثل مهرجان العلمين وعدة مهرجانات أخرى، التي أولتها وزارة الثقافة اهتمامًا كبيرًا وأعادت إحياءها.
الشباب مستقبل المسرح
وأشار الغرباوي إلى أن العام الحالي شهد بروز أسماء مميزة في مجال الإخراج وعناصر صناعة العرض المسرحي، واصفًا ذلك بأنه "شهادة ميلاد لجيل جديد"، وأضاف لموقع " القاهرة الإخبارية": "من بين الأسماء التي تألقت هذا العام محمود الحسيني (كاجو)، ويوسف مراد منير، ومحمد شاكر، ومحمد رضا، ومحمود صلاح (بيرو)، وحازم القاضي، وعبدالباري سعد، وأمير عبدالواحد، ونغم صالح. كما برزت مواهب شابة في السينوغرافيا، مثل محمد طلعت، الذي أثبت تميزه بعمله على ديكور 130 قطعة مسرحية".
وأكد أن هذه الأسماء المتميزة من الشباب أثبتت وجودها وأعطت أملًا كبيرًا لصناع المسرح في مصر، معبرًا عن سعادته بأن 2024 أثبت حقيقة أن "مصر ولادة".
وعبّر الغرباوي عن فخره الكبير بحصول مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي على جائزة أفضل مهرجان دولي في العالم لعام 2024 من وزارة الثقافة الكورية الجنوبية، خلال الدورة الـ62 لمهرجان كوريا، الذي يُعد ثاني أقدم مهرجان عالمي بعد الأوسكار.
وأوضح أن هذا الإنجاز جاء نتيجة دعم وزارة الثقافة المصرية ومحافظة جنوب سيناء، مشيرًا إلى التطوير الذي شهدته الدورة التاسعة من المهرجان، مما ساهم في تحقيق هذا التميز.
أهمية تقييم المهرجانات
وفي سياق حديثه عن المهرجانات، شدد "الغرباوي" على أهمية إخضاع المهرجانات لتقييم دوري، قائلًا: "يجب أن تكون هناك آلية لتقييم المهرجانات حفاظًا على ريادة مصر الثقافية وسمعتها العالمية".
وأضاف: "لابد أن نميز بين المستويات المختلفة للمشاركين، فمن غير المقبول مساواة المتميزين بغيرهم.. إقامة مهرجان دولي باسم مصر مسؤولية كبيرة، ويجب أن تكون الأهداف الحقيقية من إقامة هذا الحدث واضحة ومحققة".
الترويج لمصر
وأشار إلى دور القوى الناعمة في الترويج لمصر عالميًا، وقال: "عندما أكون حاضرًا في كوريا الجنوبية وسط أكثر من 150 فنانًا ومثقفًا يتحدثون بإعجاب عن مصر، فهذا هو الترويج الحقيقي لثقافة وحضارة بلدنا.. مصر مليئة بالشباب القادر على استكمال مسيرة الكبار الذين صنعوا تاريخنا".
وأكد أهمية إقامة أحداث فنية وثقافية تحمل اسم مصر، مشددًا على ضرورة وعي الجميع بأهمية هذه الأحداث في تعزيز صورة مصر عالميًا وإبراز مستقبلها الثقافي والفني.
عصام السيد: المسرحيات الموسيقية والذكاء الاصطناعي
أكد المخرج المسرحي عصام السيد أن الحركة المسرحية في مصر شهدت هذا العام ظاهرتين بارزتين أثارتا نقاشًا واسعًا في الأوساط الثقافية، وهما انتشار المسرحيات الموسيقية واستخدام الذكاء الاصطناعي في العروض المسرحية.
وأشار "السيد"، لموقع "القاهرة الإخبارية"، إلى أن المسرح الغنائي حقق حضورًا ملحوظًا، بعدد من الأعمال التي لاقت استحسان الجمهور، مثل عرض "سيد درويش" الذي قدمه المسرح القومي واستمر في جذب الجمهور لفترة طويلة.
وفي ما يتعلق بالمهرجانات المسرحية، أشار "السيد" إلى أن العام الجاري شهد تنظيم مهرجانات مهمة، مثل المهرجان القومي للمسرح والمهرجان التجريبي، اللذيْن شكّلا منصات حيوية لدعم المسرح المصري وتقديم مواهب جديدة، لكنه أكد أن هناك حاجة إلى مزيد من الجهود لضمان استمرارية الإنتاج المسرحي بشكل يتناسب مع تطلعات الجمهور.