في شهر أغسطس من كل عام قد يبدو لزائري مدينة كويتزالان الجبلية بالمكسيك، للوهلة الأولى، أنهم أمام مشهد سياحي راقص، لكن حقيقة الأمر أنه تقليد مكسيكي خاص بتلك المدينة التي يُعرف سكانها الأصليين بـ"شعب الطيران"، إذ حافظ الراقصون على طقوس أسلافهم منذ قرون مضت، وليظلوا محافظين على جزء من هويتهم الثقافية.
ينتمي معظم سكان مدينة كويتزالان في شرق المكسيك إلى مجتمعات الناهوا والتوتوناك الأصلية، بحسب مجلة "دير شبيجل" الألمانية.
تعتبر المنطقة المحيطة بكويتزالان مسقط رأس العديد من التقاليد القديمة، وأشهرها "رقصة دانزا دي لوس فولادوريس"، وهي رقصة الرجال الطائرين، وترمز الطقوس إلى السعي إلى الانسجام مع الطبيعة وهي في الوقت نفسه طلب لمحصول جيد وأمطار كافية.
وفي كويتزالان، التي أصبحت وجهة سياحية شهيرة، لا يتم تنفيذ الطقوس الآن خلال الاحتفالات فحسب، بل أيضًا في أيام الأحد العادية.
تبدأ طقوس الرقصة في شهر أغسطس من كل عام، حيث يذهب راقصو الـ"فولادوريس" من كويتزالان إلى الغابات المحيطة عابرين مساحات واسعة لقطع شجرة سيتم استخدامها في أدائهم الراقص بعد أن يعثروا على جذع مناسب، يصلح أن يكون صاريًا، إذ يجب أن يكون طويلًا جدًا ومستقيمًا.
ويعد قطع الشجرة جزءًا من الطقوس، إذ يباركها راقصو الـ"فولادوريس"، ويتركون القرابين ويطلبون موافقته قبل أن يقطعوها، يتم بعد ذلك نقل الشجرة إلى وسط مدينة كويتزالان حيث يتم وضعها في الأرض.
تبدأ الرقصة نفسها عندما يتجول المشاركون (5 راقصين، 4 منهم يرتدون ملابس بألوان مختلفة وواحد يرتدي ملابس بيضاء) حول الصاري الذي يبلغ ارتفاعه نحو 30 مترًا، ثم يتسلق 4 فوق ألواح خشبية مثبتة عليه، وهم مربوطين بحبل حول خصورهم لتأمينهم من السقوط، ثم يغوصون برؤوسهم إلى الأعماق ويبدأون بالدوران بحركة دائرية حول الصاري، حيث يمثل كل من "فولادوريس" عنصرًا من عناصر الطبيعة، النار والماء والهواء والأرض، وعندما يبدأ الراقص الخامس في العزف على الطبول والأنابيب النحاسية، يأخذ الراقصون الأربعة في الهبوط من الصاري بينما يؤدون حركات الرقص، ثم يلتف الراقصون حول الصاري 13 مرة، ما يرمز إلى 13 شهرًا في التقويم الأزتيكي، تقويم حضارة الأزتك والحضارات المكسيكية القديمة.
ويتوافد السياح على ساحة البلدة أمام الكاتدرائية لمشاهدة المشهد، وفي عام 2009، أعلنت اليونسكو هذا الحفل ضمن التراث الثقافي غير المادي، لكن لفترة طويلة لم يكن من الممكن تصور مشاركة النساء.
أكبر العوائق التي تواجه النساء أثناء الطيران في كويتزالان هي الأدوار الكلاسيكية للجنسين والتوقعات الاجتماعية، بمجرد أن تتزوج المرأة أو تنجب أطفالًا، يصبح من المستحيل تقريبًا بالنسبة لها الاستمرار في الطيران، ومن المتوقع منهم أن يعتنوا بأسرهم كربات بيوت وأمهات.
على الرغم من أن الـ"فولادوريس" من النساء أصبحن أكثر عددًا، إلا أنهن قلة مقارنة بالرجال، ومع ذلك فقد أصبحن رمزًا للنضال من أجل المساواة والتغيير الاجتماعي، إذ يؤكدن أنفسهن في مساحة كانت في السابق مخصصة للرجال فقط، وأصبحن الآن مهمات في الحفاظ على تراث أسلافهن ونقل الطقوس إلى الأجيال القادمة.