في أعقاب عملية الدهس التي وقعت في سوق عيد الميلاد في ماجديبورج شرقي ألمانيا، أمس الأول الجمعة، وأودت بحياة 5 أشخاص وإصابة العشرات، سارعت قيادات اليمين المتطرف في أوروبا -من خيرت فيلدرز في هولندا إلى نايجل فاراج في بريطانيا ومارين لوبان في فرنسا- إلى دفع أجندة معادية للهجرة ومعادية للإسلام، زاعمين أنَّ الهجوم من عمل إرهابي إسلامي.
لكن سرعان ما كشفت وسائل الإعلام الألمانية، أن منفذ الهجوم الذي يدعى "طالب عبد المحسن" ملحد مرتد عن الإسلام، ومؤيد قوي لليمين المتطرف المناهض للهجرة والمهاجرين. وقالت الشرطة، التي ألقت القبض عليه بعد الهجوم مباشرة تقريبًا، إن نتيجة اختباره جاءت إيجابية للمخدرات.
وقالت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، إن عبد المحسن (50 عامًا) هو طبيب نفسي، عمل منذ عدة سنوات مع مجرمين يعانون من الإدمان في منشأة إصلاحية بالقرب من ماجديبورج.
وأضافت الصحيفة، إن منفذ عملية الدهس في سوق الكريسماس بألمانيا، صوَّر نفسه في مقابلات سابقة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، على أنه مسلم مرتد و"الناقد الأكثر عدوانية للإسلام في التاريخ".
كما أنه مؤيد لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتشدد، ومنتقد لحكومة أولاف شولتس، ويحتوي أحد المنشورات التي نشرها على صورة مشوهة لسلف شولتس في المستشارية الألمانية أنجيلا ميركل، وهي تحمل لافتة مكتوب عليها "لقد دمرت أوروبا".
وفي منشور آخر على منصة "إكس" في مايو أعلن: "أتوقع بشدة أن أموت هذا العام. سأحقق العدالة بأي ثمن. والسلطات الألمانية تعرقل كل السبل السلمية لتحقيق العدالة". وأضاف: "إذا كنت مواطنًا ألمانيًا مهتمًا، فيجب عليك المطالبة بالعدالة الآن.. إذا لم تكن مهتمًا، فلا بأس، ولكن لا تشكو لاحقًا".
وفي ذلك الوقت، حسب "ذا تايمز"، قيل إنَّه كتب باللغة العربية عن تنفيذ عملية. وفي 13 أغسطس، كتب في منشور باللغة العربية: "أؤكد لكم: إذا أرادت ألمانيا الحرب، فسوف نخوضها.. وإذا أرادت ألمانيا قتلنا، فسوف نذبحهم أو نموت أو نذهب إلى السجن بكل فخر".
وتقول السلطات الألمانية، إن منفذ عملية الدهس في ماجديبورج، وصل إلى ألمانيا في عام 2006، وحصل على وضع اللاجئ بعد عشر سنوات، ولم يتم الكشف بعد عن موعد بدء عمله في الإصلاحية في بيرنبورج، وهي بلدة من العصور الوسطى يبلغ عدد سكانها 32 ألف نسمة وتقع على بعد 30 ميلًا جنوبي ماجديبورج، والمعروفة بقلعتها التي تعود إلى عصر النهضة.
وفي مقابلة مع صحيفة "دي فيلت" الألمانية، وصف أحد الجيران في بيرنبورج، عبد المحسن بأنه "مواطن عادي تمامًا" "جاء وذهب" ولم يبدو أنه قضى وقتًا طويلًا في شقته.
ولكن "ذا تايمز" تقول إن سكان المبنى لم يكونوا على علم بالملف العام لعبد المحسن، الذي أعلن في إحدى المقابلات الصحفية في عام 2019، أنه ملحد ارتد عن الإسلام، وتقدم بطلب اللجوء في ألمانيا. وقال لصحيفة "ألجماينه تسايتونج" الألمانية: "أنا الناقد الأكثر عدوانية للإسلام في التاريخ".
ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أنَّ عبد المحسن أنشأ موقعًا إلكترونيًا كمصدر معلومات للأشخاص في العالم العربي الذين يريدون الارتداد عن الإسلام، وفقًا لتقرير فيديو نُشر على موقع "بي بي سي" في عام 2019. وفي التقرير، يصف نفسه بأنه مرتد عن الإسلام ساعد مئات الأشخاص على الفرار من منطقة الخليج.
ولا يزال الموقع نشطًا -وفق "ذا تايمز"- وتوجد رسالة باللغة الإنجليزية على الصفحة الرئيسية تقول: "نصيحتي: لا تطلب اللجوء في ألمانيا".
وذكرت شبكة "سي. إن إن" الإخبارية الأمريكية، نقلًا عن مصدر مطلع، أنَّ السلطات السعودية حذّرت نظيرتها الألمانية من منفذ هجوم سوق عيد الميلاد في ماجديبورج، ثلاث مرات في أوقات سابقة.
وبحسب ما قاله المصدر المطلع على الاتصالات بين البلدين، جاء التحذير الأول في عام 2007 وكان مرتبطًا بمخاوف السلطات السعودية من أنَّ المشتبه به "عبّر عن آراء متطرفة من مختلف الأنواع"، وفق التقرير.
وأضاف المصدر أن السعودية تعتبر المشتبه به في الهجوم "هاربًا"، وسبق أن طلبت تسليمه من ألمانيا بين عامي 2007 و2008، مضيفًا أن السلطات الألمانية "رفضت ذلك بسبب مخاوف على سلامة الرجل في حال عودته".
ولفتت الشبكة الأمريكية إلى أن السلطات السعودية أشارت سابقًا إلى أن المشتبه به "ضايق سعوديين في الخارج عارضوا آراءه السياسية".
كما أشارت إلى أنَّه أصبح مؤيدًا لحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف والمعادي للهجرة، وأنه "طوَّر آراء متطرفة معادية للإسلام"، بحسب المصدر.
وأشارت "ذا تايمز" إلى أنه مساء أمس الأول الجمعة، نشر عبد المحسن عدة مقاطع فيديو يقول فيها باللغة الإنجليزية "أحمل الأمة الألمانية مسؤولية مقتل سقراط" ويشكو من تعرضه للاضطهاد في ألمانيا. وقال في وقت لاحق: "الحكومة مجرمة بدلًا من حمايتي".