"قاعة السينما بالنسبة لي عالم ساحر، وأكتب من أجل الناس"، هكذا لخص السيناريست بشير الديك دوافعه للكتابة والتأليف السينمائي في حوار تلفزيوني سابق، إذ دائمًا كان يرى أنه يعمل لدى المشاهد، ويهمه أن يرى المواطن نفسه بشكل إنساني وشاعري على شاشة السينما.
المؤلف، الذي تخرج في كلية التجارة، لم يكن طريقه من مسقط رأسه محافظة دمياط إلى العاصمة القاهرة وعالم السينما صعبًا، لكنَّه كان مميًزا، بدأه من كتابة القصة القصيرة، قبل أن يأخذه الشغف إلى السينما، وجاءته الفرصة مواتية عندما ذهب المخرج علي عبد الخالق مع فريق فيلم "أغنية على الممر" إلى دمياط، ليأخذ قصته "زائر المدينة الميتة"، واستطاع الدخول إلى موقع التصوير قبل أن يتراجع لإحساسه بأنهم مشغولون للغاية ولا يريد إزعاجهم.
وبمرو الوقت استطاع "الديك" أن يصل إلى السيناريست مصطفى محرم عن طريق وسيط، وعرض عليه قصته التي أُعجب بها للغاية، وطلب مقابلته في منزله، ولم يصدق الكاتب الشاب نفسه عندما سمع أن "محرم" يرشح نجومًا لامعة -منهم محمود ياسين وميرفت أمين- لبطولة فيلمه "مع سبق الإصرار" الصادر عام 1979.
مغامرة فنية
وصف "الديك" مشواره الفني بـأنه "مغامرة كبيرة سار فيها نحو مناطق غير مأهولة"، حسبما قال في تصريحات تلفزيونية، لكن هذا المشوار رافقه فيه مخرجون جمعته بهم علاقة صداقة قوية للغاية، منهم محمد خان الذي تعاون معه في بدايته من خلال فيلم "موعد على العشاء" الصادر عام 1981.
تعلق المؤلف بالسينما، حتى إنه كان يحرص على حضور تصوير أفلامه، لأنه يحب عالم صنع الأفلام، وتأسره كثيرًا عمليات المونتاج والمكساج ويحب أن يحضر كل مراحل صناعة الفيلم، الأمر الذي ساهم في خروج أحد أبرز مشاهد النهاية في السينما المصرية بفيلم "موعد على العشاء".
حول تلك النهاية، قال بشير الديك: "كنت أحضر أجواء التصوير، وقبل تصوير مشهد النهاية بيوم جاءتني فكرة تغيير المشهد، ليجعل الزوجة (سعاد حسني) تأكل الطعام المسموم مع زوجها السابق (حسين فهمي)، ما أثار دهشة سعاد حسني وحسين فهمي وصناع العمل"، لكنه أقنعهم بأنها النهاية المثالية، لتصبح جمالة (لا أنا ولا أنت نستحق نعيش يا عزت) إحدى أبرز الجمل الحوارية في السينما المصرية.
سواق الأتوبيس
يدخل "الديك" في كثير من تفاصيل ومراحل صناعة الفيلم، ليبصر كيف تصنع الأشياء ويضع رأيه حتى في الموسيقى التصويرية، بل إنه تكفل بإخراج 3 أفلام في مسيرته الفنية وهي "الفارس والأميرة"، و"الطوفان" و"سكة سفر" الذي عبر فيه عن عالمه الأول في دمياط والرغبة في الترحال، طارحًا فيه تساؤلًا حول: هل الغربة في الخارج أم الداخل؟
من أبرز رفاق مشوار بشير الديك المخرج الراحل عاطف الطيب الذي تعاون معه في العديد من الأفلام، أبرزها "سواق الأتوبيس"، الذي عُرض في البداية على عادل إمام لكنه اعتذر عن عدم قبوله لشعوره بأن الشخصية الرئيسية مجرد رد فعل وليست فاعلة في الأحداث، قبل أن يذهب الدور إلى نور الشريف في ثاني تعاون بعد "مع سبق الإصرار"، وحقق الفيلم ردود فعل جيدة وإشادة نقدية بعد عرضه للمرة الأولى في مهرجان الإسكندرية السينمائي، ويدين السيناريست لهذا الفيلم بأنه منحه فرصة التعبير عن نفسه بشكل أقوى بالسينما,
السيناريست الذي يعاني حاليًا من ظروف صحية صعبة، سجل ضمن مشواره الفني أفلام "النمر الأسود"، و"الطوفان" و"ضد الحكومة" و"ليلة ساخنة" و"زيارة السيد الرئيس" و"ناجي العلي"، وجميعها تعد من علامات السينما المصرية، وجاءت نابعة من عشقه الحقيقي للسينما، ذلك العشق الذي بدأت شرارته الأولى في التوهج عندما كان يجلس لمشاهد فيلم بإحدى دور السينما بدمياط، وعقب خروجه تغير طموحه من كتابة روايته الأولى إلى مغادرة عالم القصة القصيرة متجهًا إلى سحر السينما.