الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

السوريون يواجهون الكوليرا بمفردهم.. حكايات من قلب الوباء

  • مشاركة :
post-title
السوريون يواجهون الكوليرا بمفردهم.. حكايات من قلب الوباء

القاهرة الإخبارية - فايزة أحمد

منتصف شهر سبتمبر الماضي، عاد "رياض منجونة" مهرولًا مكفهرًا لمنزله الكائن بمدينة "الرقة" الواقعة في شمال سوريا؛ بعدما تلقى اتصالًا مُفاجئًا من زوجته تخبره بعودة نجله ابن الـ18 ربيعًا، من عمله في حالة إعياء شديدة، لم يُعرف سببها، فما كان منه سوى أن اصطحبه إلى أحد الأطباء هناك، ليكتشف أن ابنه مصابٌ بمرض الكوليرا المُميت. 

نهاية شهر أغسطس الماضي، أعلنت وزارة الصحة السورية عن تسجيل أولى الإصابات بالكوليرا في مناطق شمال شرق البلاد، غير أن تلك الإصابات ظلت مُجرد شائعات بعيدة عن "منجونة" وأسرته الصغيرة، لكن ما أن تأكد لديه إصابة نجله الذي يعمل بأحد محال الأسماك في الرقة بالكوليرا، أصبح متيقنًا بأن المرض لم يعد بعيدًا عنهم، ولا عن سكان مدينته برمتهم، الذين أبصرهم داخل مستشفى الرقة، "ما أن أخبرنا الحكيم بأن ابني مصاب كوليرا، ذهبنا إلى المستشفى العمومي بالرقة، للبحث عن علاج هناك"، يحكي الرجل السوري لـ"القاهرة الإخبارية". 

صدمة كبرى ألمّت بـ"منجونة"، فما أن وطئت أقدامه المستشفى؛ حتى هاله الأعداد الكبيرة من سكان المنطقة المصابين بالكوليرا الذين يقبعون داخل الغرف المُخصصة لاستقبال هذه الحالات، غير أنه تملكه حزنٌ شديدٌ، لإدراكه عدم توفر أدوية خاصة بذاك المرض، وسرعان ما عزم أمره على معالجة ابنه بنفسه داخل منزله "لمدة 23 يومًا.. عزلت ابني داخل غرفة بمفرده بالمنزل، ومنعت أمه وأخواته الثلاثة من الدخول إليه". 

وأجبر ضيق حال "منجونة"، وعدم توفر الأدوية اللازمة لعلاج المرض، على اللجوء إلى الطرق التقليدية لمعالجة ابنه، "ضلينا نشتري مياه معدنية، وأطعمة خاصة لنقدمها له على مدار أيام عدة"، لكن ذلك لم يوقف أعراض المرض المُتمثلة في الإسهال والقيء وارتفاع درجة حرارة الجسم، ما دفعه للبحث عن سبيل للحصول على الأدوية اللازمة "تواصلنا مع بعض معارفنا بتركيا ليشتروا هذه الأدوية، لتأتي لنا تهريب من هناك".

أيام ثقيلة مرت على الأسرة السورية، لعجزهم عن إنقاذ نجلهم الذي ازدادت أحواله الصحية سوءًا، بالتزامن مع متابعتهم الأخبار المُتعلقة بارتفاع أعداد المصابين بالكوليرا في البلاد، حتى وصلت 24 ألف حالة، كما توفي على إثرها نحو 80 شخصًا، بحسب ما أعلنته منظمة الأمم المتحدة، إلى أن وصلت الأدوية من تركيا تهريبًا.. "بعد أيام من تلقي ابني للعلاج شُفي من المرض"، الذي كلف الرجل الخمسيني نحو 800 دولار (ما يعادل أكثر من 2010024 ليرة سورية). 

ولم يختلف الوضع في مدينة "دير الزور" الواقعة بشرق سوريا عن سابقتها، إذ يعكف الطبيب أحمد عبد الكريم رفقة زملائه داخل أحد مستشفيات المدينة، على إنقاذ من يمكن إنقاذه من عشرات الحالات المُصابة بالكوليرا التي تتوافد يوميًا عليهم، وذلك في ظل نقص الأدوية والمعدات اللازمة للعلاج.. "الوضع في دير الزور جدًا تعيس.. عشرات الإصابات بالكوليرا داخل المستشفى ولا يوجد علاج لهم"، يصف الطبيب السوري لـ"القاهرة الإخبارية"، ما يعانيه المدنيون هناك.

ويُرجع "عبد الكريم" ازدياد أعداد الإصابات هناك إلى اعتماد السكان على الأساليب التقليدية في الحصول على المياه من الآبار والمياه الملوثة، التي تأتيهم عن طريق سيارات النقل غير المؤهلة لحفظ المياه وتخزينها، بالإضافة إلى تلوث نهر الفرات "الوضع بات خارجًا عن السيطرة، وجميع محاولتنا في إنقاذ المصابين تفشل بشكل كبير.. كل ما نفعله حاليًا هو أننا نعزل المصابين"، لاسيما في ظل عرقلة وصول المساعدات الإنسانية والطبية إلى المنطقة في خضم الصراع الدائر في البلاد، خلال الوقت الراهن. 

لكن منظمة "أطباء بلا حدود" أعلنت بنهاية شهر سبتمبر، تعاونها مع بعض المنظمات الصحية المحلية في سوريا، لتوصيل بعض المساعدات الطبية إلى المستشفيات في مناطق انتشار الوباء، ومن بينها "دير الزور"، إلاّ أن الطبيب الأربعيني يفشل حتى الآن في الحصول على أيّ من تلك المساعدات "حتى سرنجة يضطر المرضى إلى شرائها من الخارج"، لعدم وجود رقابة حقيقية على ما يصل المستشفيات من تلك المساعدات. 

ومن "دير الزور" إلى "الحسكة" الواقعة في شمال شرقي سوريا، يقبع "أحمد ضِرار" رفقة أسرته، داخل منزله المٌتاخم لأحد المخيمات المنتشرة في المدينة، غير قادرين على الخروج، اتقاء الإصابة بالوباء المستشري هناك، لاسيما بين سكان تلك المخيمات منذ أكثر من شهر ونصف الشهر .."لأنه نحنا على علم إذا انصاب حدا من الأسرة راح نموت رأسًا.. ببساطة لأنه ما في مستشفيات ولا أدوية ولا شي"، يقول الشاب الثلاثيني لـ"القاهرة الإخبارية".

ضيق شديد يتشبث بتلابيب روح "ضِرار"، عقب أن أفسد انتشار الوباء عليه خططه التي انخرط في التحضير لها منذ مطلع العام الجاري، للسفر رفقة أسرته إلى ألمانيا، للحاق بشقيقه الذي يقيم هناك منذ سنوات، ما اضطره إلى البقاء في المدينة الواقعة تحت سيطرة الخوف والمرض، دون إيجاد مفر من ذلك.. "الوضع يزداد سوءًا في ظل النقص الحاد في المياه بالحسكة"، ما يجعلهم يعتمدون على المياه الملوثة غير معلومة المصدر في تلبية احتياجاتهم اليومية.. "نحنا ننتظر يوميًا سيارات مياه غير نظيفة لتبتاع لنا المياه". 

ويعتمد نحو نصف سكان سوريا على مصادر بديلة غالبًا ما تكون غير آمنة؛ لتلبية أو استكمال احتياجاتهم من المياه، بينما لا تتم معالجة 70 في المئة على الأقل من مياه الصرف الصحي، وفق اليونيسيف، إذ أدى النزاع في البلاد إلى تضرر قرابة ثلثي عدد محطات معالجة المياه ونصف محطات الضخ وثلث خزانات المياه.

يوم تلو الآخر، يتنامى إلى الشاب الثلاثيني أخبار عن إصابات جيرانه والعديد من سكان المخيمات المجاورة بالمرض، فيزداد حرصه على عدم الخروج من منزله، لكنه يحاول تقديم يد العون للمصابين.."شقيقي يرسل أسبوعيًا علب الدواء لنوزعها على المصابين غير القادرين على شراء الأدوية"، علّ ذلك يخفف من وطأة المأساة "ليس باليد حيلة".