تترقب ألمانيا - أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي - تحولًا سياسيًا مصيريًا مع توقعات بخسارة المستشار أولاف شولتس، تصويت سحب الثقة، اليوم الاثنين، وفي هذا الصدد كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تفاصيل التحول المرتقب، الذي قد يفضي إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، 23 فبراير المقبل، في تطور نادر يعكس عمق الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد.
انقسامات سياسية وتحول نحو اليمين
تكشف استطلاعات الرأي عن تغير جذري في المزاج السياسي الألماني، إذ يتصدر المشهد تحالف المحافظين بقيادة فريدريش ميرتس، الذي ترأس سابقًا الذراع الألمانية لشركة بلاك روك الاستثمارية الأمريكية.
ووفقًا لواشنطن بوست، يحظى تحالف الاتحاد المسيحي الديمقراطي وحليفه البافاري الاتحاد المسيحي الاجتماعي بتأييد 32% من الناخبين، في حين يأتي حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف في المرتبة الثانية بنسبة 18%.
ويعكس هذا التحول تغيرًا عميقًا في التوجهات السياسية للناخب الألماني، الذي يبدو أكثر ميلًا نحو السياسات المحافظة في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية المتزايدة.
وتجدر الإشارة إلى أن أليس فايدل، مرشحة حزب البديل لمنصب المستشارية، لا تمتلك فرصة حقيقية لقيادة ائتلاف حكومي، إذ ترفض الأحزاب الرئيسية التعاون مع اليمين المتطرف.
وترجح واشنطن بوست احتمالية تشكيل ائتلاف كبير بين المحافظين والحزب الاشتراكي الديمقراطي، أو إمكانية تحالف بين المحافظين وحزب الخضر، ما قد يستغرق أسابيع أو شهورًا من المفاوضات الشاقة.
تحديات اقتصادية غير مسبوقة وتداعيات دولية
يواجه الاقتصاد الألماني، الذي طالما كان محرك النمو الأوروبي، أزمة متعددة الأبعاد، إذ تشير "واشنطن بوست" إلى أن تضافر عوامل عدة، منها المنافسة الصينية المتزايدة، وتراجع الطلب على الصادرات، ونهاية عصر الطاقة الروسية الرخيصة، وسنوات من ضعف الاستثمار، أدى إلى حالة من الركود الاقتصادي.
وتتجلى خطورة الوضع في إعلان شركات ألمانية عملاقة عن تخفيضات كبيرة، بما في ذلك شركة فولكس فاجن، التي تدرس للمرة الأولى في تاريخها الممتد لـ87 عامًا إغلاق مصانع محلية.
وتضيف الصحيفة أن المعهد الاقتصادي الألماني يحذّر من تداعيات محتملة لحرب تجارية مع الولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب، التي قد تكبد الاقتصاد الألماني خسائر تصل 134 مليار دولار.
ويواجه صُناع القرار معضلة حقيقية بين ضرورة زيادة الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية والتعليم والرعاية الاجتماعية والتصنيع، وبين القيود الدستورية الصارمة على الديون التي تفرض على الحكومة الالتزام بميزانية متوازنة.
السياسة الخارجية وملف أوكرانيا
شكلت الحرب الروسية الأوكرانية نقطة تحول في السياسة الألمانية، إذ أعلن شولتس عن تغيير جذري في موقف بلاده تجاه القوة العسكرية.
وتوضح واشنطن بوست أن ألمانيا، التي أصبحت ثاني أكبر داعم لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة، شهدت تحت قيادة شولتس زيادة في الإنفاق العسكري بنسبة 19% مع تخصيص صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو.
ويبدو المرشح المحافظ ميرتس أكثر حماسًا في دعم أوكرانيا عسكريًا، إذ انتقد موقف شولتس المتحفظ من تسليم صواريخ توروس بعيدة المدى، معتبرًا أن تقييد استخدام أوكرانيا للأسلحة يشبه إجبارها على القتال "بيد واحدة مقيدة خلف ظهرها".
في المقابل، تتبنى قوى سياسية أخرى، مثل حزب البديل وتحالف زارة فاجن كنخت اليساري الشعبوي المؤيد لروسيا، خطابًا يدعو للسلام في محاولة لاستثمار تزايد الإرهاق من الحرب، خاصة بين ناخبي شرق ألمانيا.
قضايا الهجرة واللجوء في قلب النقاش السياسي
ويحتل ملف الهجرة موقعًا محوريًا في النقاش السياسي الألماني، إذ تشير واشنطن بوست إلى أن شولتس اتخذ بالفعل إجراءات لتشديد الرقابة على الحدود خلال الخريف الماضي، مبررًا ذلك بضرورة اتخاذ "موقف صارم ضد الهجرة غير النظامية".
غير أن ميرتس يدفع باتجاه سياسات أكثر تشددًا في قضايا الأمن والنظام العام، منتقدًا ما وصفها بسياسات "الحدود المفتوحة" التي اتبعتها ميركل، خلال أزمة اللاجئين السوريين عام 2015.
وفي ظل تغير الوضع في سوريا، تتصاعد الدعوات لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وفي السياق ذاته، دعت أليس فايدل، زعيمة حزب البديل، الحكومة الألمانية إلى وضع خطة للترحيل على غرار النموذج النمساوي المجاور، تهدف إلى "منع موجة جديدة من اللاجئين والتحضير لإعادة مئات الآلاف إلى بلادهم".