هدد مزارعون أوروبيون بمنع تسليم منتجاتهم إلى المتاجر الكبرى، وترك الرفوف فارغة، احتجاجًا على اتفاق التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وكتلة "ميركوسور"، وفق ما ذكرت صحيفة "ذا تليجراف" البريطانية.
وأعرب عدد من زعماء دول أمريكا الجنوبية عن غضبهم، بعد أن أعلنت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، عن اتفاق للتجارة الحرة مع كتلة ميركوسور التجارية التي تضم دول أمريكا الجنوبية.
وتتطلب الصفقة، التي يخشى المزارعون من أن تؤدي إلى إغراق الاتحاد الأوروبي باللحوم والدواجن الرخيصة، توقيع الحكومات الأوروبية المنقسمة بشدة، والتي يمكن أن تستخدم حق النقض ضدها.
واستمرت المفاوضات لمدة 25 عامًا قبل أن تبادر "فون دير لاين" إلى التوقيع على الاتفاق، لكن الأمر يظل يشكل خطرًا كبيرًا على رئيسة الاتحاد الأوروبي، التي راهنت بمصداقيتها على الاتفاق المثير للجدل في الأيام الأولى من ولايتها الثانية الممتدة لخمس سنوات، والتي بدأت في الأول من ديسمبر.
وفي يونيو، دخلت الجرارات إلى بروكسل كجزء من الاحتجاجات في جميع أنحاء أوروبا ضد قواعد صافي الانبعاثات الصفرية في الاتحاد الأوروبي.
وبسبب مخاوفها من انتخابات البرلمان الأوروبي الوشيكة، استسلمت فون دير لاين لمطالب المزارعين وأرجأت أو خففت من القواعد الخضراء الجديدة للزراعة.
وقال بارت ديكنز، رئيس منظمة "قوة دفاع الفلاحين" البلجيكية، لـ"ذا تليجراف"، إن الاحتجاجات ضد الاتفاق مع الأرجنتين والبرازيل وباراجواي وبوليفيا وأوروجواي، من شأنها أن تتضاءل مقارنة بهذه المظاهرات الدرامية.
وأضاف: "أورسولا فون دير لاين تقتلنا.. أعتقد أن الأمر سيكون أكبر بكثير".
وذكر "ديكنز" أن مجموعات المزارعين المتشددين في جميع أنحاء أوروبا تعقد بالفعل محادثات عبر تطبيق "زووم" وشخصيًا حول كيفية إجبار بروكسل على الركوع، من خلال سلسلة من الإجراءات في العام الجديد.
وتابع: "يمكننا إيقاف إمدادات الغذاء وتوزيعه على محلات السوبر ماركت.. آمل أن نتمكن من تحقيق ذلك في مختلف البلدان الأوروبية.. إنه مثال على ذلك، فإذا قتلت المزارعين، فإن أرفف المتاجر الكبرى سوف تصبح فارغة ولن تجد ما تريده بعد الآن".
وقال سيرج بوسكيه شاساني، الرئيس المحلي لاتحاد التنسيق الريفي في منطقة لوت إيه جارون جنوب غربي فرنسا، إن المزارعين الفرنسيين مستعدون للهجوم على بروكسل في أي لحظة.
وأضاف لـ"ذا تليجراف": "زملاؤنا المزارعون الأقرب إلى بلجيكا ذهبوا إلى بروكسل منذ نحو أسبوعين، وبطبيعة الحال نحن مستعدون للعودة بأعداد أكبر إذا تم التوقيع على اتفاقية ميركوسور".
ورجحت "ذا تليجراف" أن تنضم مجموعات المزارعين من أوروبا الشرقية وهولندا وإيطاليا وإسبانيا إلى الفرنسيين والبلجيكيين.
ووافقت المفوضية الأوروبية على معدل تعريفة جمركية صفرية على 99 ألف طن من لحوم البقر و180 ألف طن من الدواجن، وهو ما يعادل 4 ملايين رأس من الماشية و600 مليون طائر.
ويهدد هذا الأمر بخفض نسبته 18% في إنتاج لحوم البقر في الاتحاد الأوروبي، وفقًا لبعض التقديرات. وتعد البرازيل بالفعل أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي في مجال الأغذية الزراعية، إذ بلغت صادراتها 14.2 مليار جنيه إسترليني العام الماضي. كما تم استيراد أغذية أخرى بقيمة 3.8 مليار جنيه إسترليني من الأرجنتين، مع ارتفاع واردات لحوم البقر بنسبة 30.5 % في عام 2022.
وبينما أعلنت عن الاتفاق، قالت فون دير لاين، وهي ألمانية، إنها استمعت إلى مخاوف المزارعين، وإن الاتفاق يتضمن ضمانات لحمايتهم من التقويض.
ويتعين على زعماء الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي التصديق على الاتفاق، الذي يحتاج إلى أغلبية مؤهلة تمثل 65% من سكان الاتحاد الأوروبي، مع موافقة ما لا يقل عن 15 دولة.
في سبتمبر، دعت 11 دولة عضو علنًا إلى إبرام الاتفاق، وهي ألمانيا، وإسبانيا، والبرتغال، والسويد، والدنمرك، وفنلندا، وكرواتيا، وإستونيا، ولاتفيا، ولوكسمبورج، والتشيك.
وتعد ألمانيا الدولة العضو الأقوى في الاتحاد الأوروبي التي تدعم الاتفاق، الذي تراه بمثابة نعمة محتملة لصناعة السيارات لديها، التي تحتاج إلى أسواق جديدة.
ورحبت إسبانيا، التي تربطها علاقات وثيقة بأمريكا الجنوبية، بالاتفاق أيضًا، وتزعم أن الاتفاق يتضمن ضمانات لحماية المزارعين من التعرض لانتهاكات فيما يتصل بمعايير الغذاء، لكن النقابات الزراعية الرئيسية في إسبانيا خرجت ضد اتفاقية التجارة الحرة مع ميركوسور، وتمت الدعوة إلى الاحتجاجات بدءا من غدٍ الاثنين.
ويرفض الاتفاق أقلية معارضة من فرنسا وأيرلندا وإيطاليا وبولندا والنمسا، وتستمر المفاوضات بشأن تشكيل الائتلاف للحكومة الأيرلندية المقبلة بعد الانتخابات الأيرلندية في نوفمبر، لكن بولندا قالت إنها ستعارض الاتفاق.
وقال متحدث باسم اتحاد المزارعين النمساويين: "نحن متمسكون بموقفنا ونرفض هذا الاتفاق لأنه معادٍ لمزارعينا.. هذا الاتفاق لا يلقى معارضة في النمسا فحسب بل وأيضا في فرنسا وأيرلندا وبولندا".
الحكومة الإيطالية أبقت أوراقها سرية، في حين لم تتوصل الحكومة الائتلافية الهولندية بعد إلى موقف مشترك بشأن الاتفاق.
وتحركت جماعات الضغط الزراعية القوية في أوروبا لحشد المعارضة للاتفاق، وخوفًا من تأثير القرار على لحوم البقر والدواجن الأيرلندية، أرسلت جمعية المزارعين الأيرلنديين ممثلين عنها إلى بروكسل، حيث التقوا بمجموعات أخرى من المزارعين.