لم ينتظر جيش الاحتلال الإسرائيلي طويلًا بعد سقوط نظام بشار الأسد، لاستغلال ما يمر بسوريا من اضطرابات؛ لتحقيق أهدافه الاستراتيجية، إذ قصف كل الأصول العسكرية السورية، وضرب ما يقرب من 500 هدف، ودمَّر الأسطول البحري، وأزال 90% من الصواريخ السورية الأرضية المعروفة، إلا أن الاستيلاء على جبل الشيخ، أعلى قمة في سوريا، يبقى التحرك الأبرز لجيش الاحتلال مؤخرًا.
ويعدُّ جبل الشيخ أعلى نقطة في سلسلة جبال لبنان الشرقية، ويمتد على الحدود بين سوريا ولبنان وإسرائيل، ويشرف على هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، ما يمنح من يسيطر عليه ميزة استراتيجية في مراقبة وتوجيه العمليات العسكرية.
ونقلت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية، عن إفرايم إنبار، مدير معهد القدس للاستراتيجية والأمن، قوله: "هذا هو أعلى مكان في المنطقة، ويطل على لبنان وسوريا وإسرائيل.. إنه مهم للغاية من الناحية الاستراتيجية.. لا يوجد بديل للجبال".
وتقع قمة جبل الشيخ في سوريا، في منطقة عازلة كانت تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية لمدة 50 عامًا حتى نهاية الأسبوع الماضي، عندما سيطرت عليها قوات الاحتلال.
وحتى الأحد الماضي، كانت القمة منزوعة السلاح، وتحرسها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وأصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أمس الجمعة، أمرًا لجيش الاحتلال بالاستعداد للظروف القاسية للانتشار في الشتاء، وقال في بيانٍ: "بسبب ما يحدث في سوريا، هناك أهمية أمنية هائلة لاحتفاظنا بجبل الشيخ، ويجب بذل كل ما في وسعنا لضمان استعدادات الجيش الإسرائيلي في المنطقة، للسماح للقوات بالبقاء هناك في الظروف الجوية الصعبة".
ونشر كاتس، أمس الجمعة، صورة على منصة "إكس"، قال إنَّها تظهره مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو يطل على قمة جبل الشيخ السورية باستخدام منظار، قائلًا إنَّ الموقع "عاد إلى السيطرة الإسرائيلية بعد 51 عامًا".
وتقدمت قوات الإحتلال الإسرائيلي إلى ما بعد القمة، حتى وصلت إلى بلدة بقاعاسم، على بعد نحو 25 كيلومترًا (15.5 ميل) من العاصمة السورية، رغم أن متحدث عسكري إسرائيلي نفى أن تكون قوات الاحتلال "تتقدم باتجاه" دمشق.
واحتلت إسرائيل مرتفعات الجولان، وهي هضبة استراتيجية تقع في جنوب غربي سوريا وتتاخم جبل الشيخ، في حرب عام 1967، وتحتلها منذ ذلك الحين.
وحاولت سوريا استعادة المنطقة في حرب عام 1973، لكنها فشلت، وضمتها إسرائيل عام 1981.
والاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري غير قانوني بموجب القانون الدولي، لكن الولايات المتحدة اعترفت بسيادة إسرائيل على الهضبة السورية في أثناء إدارة ترامب الأولى.
وسيطرت إسرائيل لعقود من الزمن على بعض المنحدرات السفلى لجبل الشيخ، بل إنها تدير منتجعًا للتزلج هناك، ولكن القمة بقيت في سوريا.
وقال "نتنياهو"، في مقطع فيديو نُشِر بعد أيام من قصف إسرائيل لمئات الأهداف السورية والاستيلاء على المنطقة العازلة منزوعة السلاح: "ليس لدينا أي نية للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا.. لكننا نعتزم بالتأكيد بذل كل ما هو ضروري للحفاظ على أمننا".
يبلغ ارتفاع قمة جبل الشيخ 9232 قدمًا (2814 مترًا)، وهي أعلى من أي نقطة في سوريا أو إسرائيل، وتأتي في المرتبة الثانية بعد قمة واحدة فقط في لبنان.
وفي ورقة بحثية نُشِرت عام 2011، كتب "إنبار" عن المزايا العديدة التي يقدمها جبل الشيخ، قائًلا إنها "تُمكِّن من استخدام المراقبة الإلكترونية في عمق الأراضي السورية، ما يمنح إسرائيل القدرة على الإنذار المبكر في حالة وقوع هجوم وشيك".
وتقع قمة جبل الشيخ على بعد 35 كيلومترًا (نحو 22 ميلًا) من دمشق، وهو ما يعني أن السيطرة عليها، التي أصبحت الآن أيضًا في يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، تضع العاصمة السورية في مرمى المدفعية.
وقال "إنبار" إن انسحاب جيش الاحتلال من الأراضي السورية "قرار سياسي"، مشيرًا إلى "أن الجيش الإسرائيلي يودُّ البقاء هناك".
وتزامنًا مع التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، شنَّ جيش الاحتلال على مدى يومين في أعقاب انهيار نظام الأسد، أكثر من 500 هجوم على الأصول العسكرية السورية، غيَّرت بشكل دائم وجذري التهديد الذي يمكن أن يشكله أي نظام سوري مستقبلي على دولة الاحتلال.
ووفق إحصائيات جيش الاحتلال، فإنه دمر أكثر من 90% من الصواريخ المضادة للطائرات المتقدمة لدى سوريا، وخاصة أنظمة SA22 وSA17.
وفي المجمل، تم تدمير نحو 85% من الدفاعات الجوية السورية، بما في ذلك الأنظمة الأقل تقدمًا. وقال جيش الاحتلال بعد ذلك إنَّ أسراب الطائرات السورية من طراز سوخوي 22 وسوخوي 24 دُمِرَت بالكامل، وفي المجمل نحو 40% من سلاح الجو السوري.
ودمر جيش الاحتلال 100% من الطائرات بدون طيار السورية المتفجرة، و390 هدفًا ناريًا سوريًا مهمًا.
وحسب صحيفة" جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، أصبح لجيش الاحتلال تفوق جوي مذهل في المجال الجوي السوري لم يكن ليحلم به أبدًا طالما كان نظام الأسد قائمًا، لأنه دمر بشكل أساسي كل قدرات الرادار السورية.