مع سقوط الأنظمة وتغير ملامح الجغرافيا السياسية، تنكشف الأزمات التي كانت مدفونة بين أطياف الصراعات، وفي سوريا -على الرغم من انتهاء الحكم الفعلي للرئيس السابق بشار الأسد- لا تزال أشباح الماضي تلقي بظلالها القاتمة لتُطرح تساؤلات مثيرة للقلق حول مخزون الأسلحة الكيميائية، الذي تحول من كونه سلاحًا يُستخدم في النزاع إلى قنبلة موقوتة تهدد العالم بأسره.
الترسانة الكيميائية
منذ أكثر من خمسة عقود، دأب النظام السوري السابق على تطوير ترسانة ضخمة من الأسلحة الكيميائية، تتضمن غازات الأعصاب القاتلة مثل السارين والخردل، وعلى الرغم من إعلان النظام عن تدمير مخزونه بعد هجوم الغوطة الكيميائي في عام 2013، إلا أن تقارير دولية، بما في ذلك منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، كشفت عن فجوات في الرواية الرسمية.
وفقًا لمفتشين دوليين، لا تزال كميات ضخمة من هذه المواد السامة غير معروفة المصير، بما في ذلك أكثر من 360 طنًا من غاز الخردل وخمسة أطنان من سلائف السارين، وفق "واشنطن بوست" الأمريكية.
الخطر الحالي
مع سيطرة فصائل المعارضة على دمشق وتراجع سيطرة الحكومة السورية، تتزايد المخاوف بشأن مصير هذه الأسلحة، وتتضاعف خطورة وقوع هذه المواد في الأيدي الخطأ.
ووفقًا للخبير جريجوري كوبلينتز، فإن الخطر الأكبر لا يتمثل فقط في استخدام هذه المواد كأسلحة، بل في إمكانية نهبها وإعادة توظيفها بطرق تهدد الأمن العالمي.
وعقدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية اجتماعًا طارئًا لمناقشة الوضع في سوريا، وأكد المدير العام للمنظمة فرناندو أرياس استعدادها لإرسال فرق ميدانية لتأمين المواقع المحتملة للأسلحة.
من جهتها، نفذت دولة الاحتلال الإسرائيلي عمليات استباقية من خلال غارات جوية استهدفت مواقع يشتبه في احتوائها على مواد كيميائية، أما الولايات المتحدة، فقد أعلنت وزارة الدفاع (البنتاجون) التزامها بمنع وقوع هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ، دون إرسال قوات برية حتى الآن.
الترسانة الغامضة
وفقًا لتقارير مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تتعدد الفجوات في الرواية السورية، فمن بين 385 طنًا متريًا من غاز الخردل، تم تأكيد وجود 20 طنًا فقط، بينما يُعتقد أن البقية قد أُخفيت أو دُمرت جزئيًا.
كما لم تقدم سوريا تفسيرًا دقيقًا حول نقص 20 طنًا من سلائف السارين، التي زُعم أنها فُقدت في "حوادث نقل"، ويشير الخبراء إلى أن بقايا هذه المواد -رغم تدهورها بمرور الوقت- لا تزال خطيرة وقابلة للاستخدام في عمليات إرهابية.
هل أُعيد بناء البرنامج الكيميائي؟
وحسب تقرير لـ"واشنطن بوست"، فإنه رغم الدمار الذي لحق بمرافق تصنيع الأسلحة الكيميائية، لا يستبعد الخبراء إمكانية إنتاج كميات صغيرة من المواد السامة في مختبرات محلية.
وتواصل سوريا توظيف علماء وفنيين لديهم خبرة في تطوير الأسلحة الكيميائية، ما يثير احتمال إعادة تشكيل البرنامج على نطاق محدود، ومع ذلك، يعتقد الخبراء أن العقوبات الدولية والمراقبة المشددة تجعل من الصعب على سوريا إنتاج ترسانة بحجم تلك التي امتلكتها في عام 2013.
ضرورة التحرك العاجل
لا يمكن للعالم أن يقف مكتوف الأيدي أمام خطر يهدد حياة الآلاف، إذ يتطلب الوضع في سوريا جهدًا دوليًا مشتركًا لتأمين ما تبقى من هذه الأسلحة ومنع استخدامها من قبل أي جهة.
ومع استمرار حالة عدم الاستقرار، يجب أن تظل العيون مفتوحة على هذه الترسانة الغامضة، التي قد تتحول إلى كارثة جديدة إن لم يتم احتواؤها.