يعود فيلم "نهار عابر" للمخرجة السورية رشا شاهين ليُقدم لنا قصة إنسانية عميقة في خضم الحرب والدمار، ناقلةً صورة حية لما تفعله الحرب في حياة البشر، وهو فيلمٌ تتشابك فيه معاناة الشخصيات مع العجز البشري في مواجهة الفقد، ليظل سؤال واحد يلاحقنا: هل يمكن للحرب أن تسلب منا حتى أبسط مظاهر الحياة؟ ويتزامن هذا الفيلم مع ما تمر به الأزمة السورية من تقلبات وتأثير الحرب على الحياة، ليكون العمل واقعيًا.
مشاركة في مهرجان القاهرة للفيلم القصير
الفيلم الذي سبق له المشاركة مؤخرًا في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، يواصل رحلته في المنافسة، إذ أكدت "شاهين"، في حديثها لموقع " القاهرة الإخبارية"، أنه سيشارك في المسابقة الدولية بمهرجان القاهرة للفيلم القصير، الذي يقام خلال الفترة من 16 إلى 21 ديسمبر الجاري، وهو أحد المحافل السينمائية المهمة في العالم العربي، ليمثل الفيلم تجربة تعكس قسوة الحرب وما تفعله بالبشر.
فكرة العمل ودوافعه الإنسانية
بعينها الثاقبة، التقطت مخرجة العمل ومؤلفته فكرة من قصة قرأتها في الجرائد، لتكشف رشا شاهين في حديثها لموقع "القاهرة الإخبارية" كواليس تقديم هذا العمل الممزوج بقصة مشوقة، وأنَّها مشغولة بفكرة مدى بشاعة الحرب وسلبها أبسط مظاهر الحياة من الإنسان، وأنَّ فكرة صناعة فيلم عن الحرب راودتها كثيرًا.
وتدور القصة التي بلورت "شاهين" فكرة الفيلم منها حول التقاء صحفي بامرأة عاهرة، ومع دخوله غرفتها يكتشف حقيقتها وعيشها في بؤس، وأنَّ الحرب أضفت بظلالها على حياتها وأثرت على جسدها النحيل.
استمدت شاهين فكرة الفيلم من هذا الموقف لتبني قصة بين امرأة ورجل قائلة عنها: "امرأة مسلوبة الحياة ورجل شلَّه الارتباك بسبب ما رآه، ويتحول هذا اللقاء العارض إلى لحظة استعادة لذكريات الحياة العادية قبل الحرب.
وختمت "شاهين" حديثها قائلة: "جعلت من الارتباك والعجز الذي أصاب الرجل مساحة لتوقع ما قد يحدث بينهما، ليعيدا معًا لمحات من الحياة السابقة".
كواليس التصوير والصعوبات
بدأت المخرجة رشا شاهين كتابة النسخة الأولى من السيناريو في أثناء دراستها بمعهد السينما، حيث كانت تبحث عن موقع تصوير في القاهرة يقترب من أجواء سوريا. وبعد جهدٍ عثرت على موقع استوديو قديم أتاح لها تصوير بعض المشاهد البسيطة، لكنه كان متهالكًا وملوثًا بأثر الزمن والدمار. هذا الموقع أصبح محطتها الأساسية في الكتابة، إذ أمدها بالمساحة البصرية والرمزية المطلوبة لتصوير مشاهد الفيلم.
لكن مع تطور العمل، واجه فريق الإنتاج تحديًا كبيرًا عندما خسروا هذا الموقع في اللحظة التي كانوا فيها جاهزين لبدء التصوير، وقالت "شاهين": "كان من الصعب إيجاد مكان بديل يحقق لنا الصورة المطلوبة والتي تُشبه سوريا، ما استدعى إعادة كتابة السيناريو وتعديل حركة الشخصيات واللقطات".
ولكن على الرغم من التحديات، تجد شاهين في هذه الصعوبة درسًا كبيرًا في السينما، إذ كان عملها مع مهندس المناظر أنسي أبو سيف، الذي أبدع في تصور المشاهد في الأماكن الجديدة، تجربة غنية، مضيفةً: "عدد المواقع التي عاينتها مع أستاذ أنسي والتي تم رفضها كانت بالنسبة لي تدريبًا عمليًا هائلًا في السينما".
رحلة طويلة من التحضير إلى الشاشة
استغرق التحضير لهذا الفيلم ما يقارب عامين من العمل الشاق، بين معاينات المواقع والتعديلات المتواصلة على السيناريو، وقالت شاهين: "كان العمل مع أستاذ أنسي متعة خالصة، وأنا محظوظة للغاية بتوجيهاته الصادقة وصبره، بالإضافة إلى إخلاص شركة الإنتاج".
في النهاية، يبقى "نهار عابر" فيلمًا لا يتحدث فقط عن الحرب، بل عن الأمل والإنسانية في أحلك الأوقات، إذ تظل لمحات من الحياة الطبيعية قادرة على مقاومة الخراب الدائم.