لطالما كانت العلاقة بين اليهودية والصهيونية مثار جدل داخل الأوساط الفكرية والسياسية، وفي سياق الأحداث العالمية والمحلية، يُطرح السؤال حول الأسباب التي تدفع بعض اليهود إلى معارضة إسرائيل، سواءً من حيث فكرتها كدولة احتلال قومية لليهود أو سياساتها تجاه الفلسطينيين.
وناقش تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية ظاهرة معارضة الصهيونية بين بعض المثقفين اليهود، ويدرس دوافعهم وأثرها على الساحة الدولية.
انتقادات يهودية لإسرائيل بعد 7 أكتوبر
وأشارت الناشطة الكندية اليهودية ناعومي كلاين، إلى أن الصهيونية "تحوّل القصة التوراتية إلى استعمار وإبادة جماعية"، فيما وصفت أحداث 7 أكتوبر بأنها عمل مقاومة عسكرية للفسطينيين ضد احتلال أراضيهم، رافضة تصنيفه كعمل إرهابي أو معادٍ للسامية.
من جهتها، أعربت جوديث بتلر الفيلسوفة والمنظرة الأمريكية المعروفة، عن شكوكها حول الادعاءات المتعلقة بالاعتداءات الجنسية التي وقعت أثناء هجوم حماس، مطالبة بأدلة تثبت هذه الجرائم.
أما أستاذ العلوم السياسية اليهودي الأمريكي نورمان فينكلستين، فيرى أن الرد الإسرائيلي على غزة يتجاوز حدود الدفاع عن النفس إلى ما وصفه بالعقاب الجماعي. ووصف قطاع غزة في السابق بأنه "معسكر اعتقال"، واعتبر يوم 7 أكتوبر "حدثًا بطوليًا".
معارضة اليهود للصهيونية
ظاهرة معارضة الصهيونية بين بعض اليهود ليست وليدة اليوم، بل هي امتداد لسنوات طويلة رافقت تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي وما بعدها، ويصف بعض المعارضين أنفسهم بأنهم ضد فكرة القومية اليهودية وضد تأسيس إسرائيل كدولة على حساب الفلسطينيين.
البروفيسور اليهودي معوز أزاريهو، من جامعة حيفا، يرى أن الموقف الإسرائيلي يعكس فكرًا راديكاليًا يساريًا، ويعتبر الصهيونية "ظلمًا أخلاقيًا فادحًا"، ويوضح أن نجاح إسرائيل كدولة قومية هو أحد أسباب التركيز العالمي على الصهيونية، إذ يُنظر إليها على أنها "ولدت في الخطيئة"، في إشارة إلى النكبة الفلسطينية.
هل الذكرى أداة سياسية؟
فيما توضح "كلاين" أنَّ "صناعة الذكرى" الإسرائيلية، مثل إحياء أحداث 7 أكتوبر، تُستخدم لإضفاء شرعية على الرد العسكري في غزة، منتقدة المحاولات الإسرائيلية لربط المآسي بالصدمات التاريخية، معتبرة أن ذلك محاولة لاستغلال العواطف لأهداف سياسية.
ولفت العديد من المراقبين إلى أنَّ الخط الفاصل بين معاداة السامية ومعارضة الصهيونية يتلاشى في بعض الأحيان، خاصة عندما يشارك اليهود أنفسهم في مهاجمة إسرائيل.
ويرى المؤرخون أن المعارضة الشديدة للصهيونية قد تكون أحيانًا محاولة من بعض اليهود لإثبات اختلافهم عن الجماعة اليهودية الأكبر، ويشير البروفيسور اليهودي "أزارياهو" إلى أن هؤلاء المعارضين يتجاهلون في كثير من الأحيان أن معاداة السامية لا تفرق بين اليهود المؤيدين للصهيونية والمناهضين لها.
يبقى السؤال حول أسباب ودوافع معارضة الصهيونية من قبل بعض اليهود محيرًا وشائكًا. وبينما يرى البعض أن ذلك تعبير عن التزام أخلاقي تجاه القضية الفلسطينية، يراه آخرون محاولة لفصل أنفسهم عن الخطاب السائد في إسرائيل. ومع ذلك، يبقى النقاش حول الصهيونية والذاكرة والهوية جزءًا لا يتجزأ من الجدل الأوسع حول السلام والعدالة في الشرق الأوسط.