في تطور يتناقض مع تعهده بـ"إغلاق الحدود منذ اليوم الأول"، من المتوقع ألا يستأنف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب سياسة "البقاء في المكسيك" قبل عدة أشهر، فيما قد تتعثر المفاوضات الخاصة بالمبادرة التي تلزم طالبي اللجوء بالبقاء في الجارة الجنوبية للولايات المتحدة في أثناء معالجة طلباتهم.
وكان ترامب وحلفاؤه الجمهوريون أشاروا -مرارًا وتكرارًا- إلى أنَّ سياسة البقاء في المكسيك يمكن أن تعود فور قدومه إلى منصبه.
ومع ذلك، ألمح تيد كروز، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس الحدودية، الذي كان في محادثات مع ترامب بشأن أزمة الحدود الجنوبية، في مقابلة مع مجلة "نيوزويك"، إلى أنَّ "هذا لن يكون ممكنًا".
وقال كروز: "ربما نستغرق بعض الوقت لإعادة فرض العقوبات، لأنَّ علينا التفاوض على ذلك مع حكومة المكسيك، ولكنني أعتقد أنهم سيفعلون ذلك أيضًا، وسوف نرى الأرقام تنخفض بشكل كبير".
وأشارت المجلة إلى أنَّ كروز جعل أمن الحدود أولوية في حملته الانتخابية الناجحة، فيما أظهرت استطلاعات الرأي قبل الانتخابات دعم الحزبين لفرض قيود أكثر صرامة على الهجرة.
وبيّن استطلاع رأي أجرته مؤسسة "جالوب" قبل الانتخابات، أنَّ الجمهوريين والديمقراطيين يدعمون دعوات ترامب لتشديد القيود على الهجرة، إذ أراد 55% من المستجيبين خفض مستويات الهجرة، بينما فضل 25% بقاءها كما هي.
البقاء في المكسيك
نقل التقرير عن مصادر في إدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية (CBP) أنهم يتوقعون إصدار ترامب سلسلة من الأوامر التنفيذية بشأن الهجرة خلال 24 ساعة من توليه منصبه، لكن إعادة فرض هذه السياسة سوف تعتمد على استعداد المكسيك للتعاون، وإذا رفض مسؤولوها أو فرضوا شروطًا بعينها، فإن التنفيذ الفوري سوف يكون مُقيدًا.
ومع ذلك، يعتقد رونالد فيتيلو، القائم السابق بأعمال مدير إدارة الهجرة والجمارك، أنَّ سياسة البقاء في المكسيك "يمكن بالتأكيد إعادة فرضها في اليوم الأول من حكم ترامب".
ونقلت المجلة عنه: "لقد لعبت المكسيك دورًا فعالًا في السيطرة على حدودها الجنوبية والمساعدة خلال ولاية ترامب الأولى، كما أنَّه (ترامب) أشار أيضًا إلى أنه مستعد لاستخدام التهديد بالرسوم الجمركية وتغيير العلاقات التجارية مع المكسيك وغيرها من الدول لتأمين الحدود بشكل أفضل واستدامتها، بالإضافة إلى المسؤوليات المشتركة الأخرى بين البلدين".
وأُقرَّت سياسة "البقاء في المكسيك"، المعروفة رسميًا باسم بروتوكولات حماية المهاجرين (MPP)، في ولاية ترامب الأولى وتحديدًا في عام 2019، وتتطلب من طالبي اللجوء البقاء في المكسيك أثناء معالجة قضاياهم.
وشكلت سياسة ترامب تحولًا كبيرًا عن الممارسات السابقة التي سمحت للمهاجرين بالبقاء في الولايات المتحدة خلال هذه الفترة، لكن الرئيس الحالي جو بايدن أوقف هذه السياسة بعد توليه في أوائل عام 2021، وأنهاها رسميًا في يونيو من ذلك العام.
تلت ذلك معارك قانونية، إذ أمرت المحاكم الفيدرالية إدارة بايدن بإعادة البروتوكولات في وقت لاحق من ذلك العام، لكن في ديسمبر 2022، نجحت إدارة بايدن أخيرًا في تأمين إنهاء هذه السياسة، على الرغم من أن بعض المهاجرين لا يزالون يواجهون عقبات على الحدود بسبب تدابير إنفاذ قوانين الهجرة الأخرى.
وتعرضت سياسة البقاء في المكسيك لانتقادات بسبب ما قيل إنه تعريض المهاجرين -الذين يتعرض العديد منهم للاستغلال والإساءة من قبل العصابات المنظمة- لظروف غير آمنة، قبل أن يتم إنهاء هذه السياسة من قبل إدارة بايدن.
وهدد ترامب بفرض رسوم جمركية على السلع القادمة من المكسيك ما لم يتم وقف تدفق المهاجرين، لكن رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم حذرت من أن بلادها "يجب أن تحظى بالاحترام، وخاصة من قبل شركائها التجاريين".
الترحيل الجماعي
بغض النظر عن وضعهم القانوني، يتمتع المهاجرون بحماية دستورية في أثناء وجودهم بالولايات المتحدة، مثل الإجراءات القانونية الواجبة، ومن المرجح أن يواجه ترحيل ملايين الأفراد دون جلسات استماع مناسبة تحديات قانونية.
حاليًا، يوجد تراكم كبير في القضايا في نظام محكمة الهجرة الأمريكية، إذ ينتظر نحو 3.7 مليون شخص جلسات الاستماع، ويساهم هذا التراكم في تأخير عمليات الترحيل، وغالبًا ما يُترك الأفراد في حالة من الغموض القانوني لسنوات قبل الفصل في قضاياهم.
في حديثه لـ"نيوزويك"، قال كروز، عضو مجلس الشيوخ عن تكساس، إنّ سياسة الترحيل الجماعي التي ينتهجها ترامب ضرورية لمكافحة الجرائم التي تقودها عصابات الجريمة المنظمة ووقف الإتجار بالبشر.
وأضاف: "أستطيع أن أضمن أنَّ هذا سوف يقلل من عدد المجرمين بشكل كبير.. لن نتمكن من القضاء على المجرمين في العالم، لكن سنرى انخفاضًا كبيرًا في الإيرادات التي تجنيها الكارتلات (عصابات الجريمة المنظمة)"؛ مُنتقدًا بشكل لاذع سياسات إدارة بايدن-هاريس، التي زعم أنَّها "أدت بشكل مباشر إلى استفادة الكارتلات".
وقال: "لقد حوَّلوا هذه العصابات، التي تتكون من القتلة الأشرار، إلى شركات عالمية ضخمة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، ولابد أن يتغير هذا".
وارتفعت شهرة عصابة الجريمة الفنزويلية سيئة السمعة ترين دي أراجوا (TdA) إلى دائرة الضوء بعد أن أظهرت لقطات أفراد العصابة المسلحين وهم يقتحمون مجمعًا سكنيًا في أورورا بولاية كولورادو.
أرقام ضخمة
بينما قال كروز إنَّه قدم تشريعًا ينص على أنَّه عندما يتم احتجاز المهاجرين غير الشرعيين، يجب القبض عليهم وإبقاؤهم قيد الاحتجاز وعدم إطلاق سراحهم، فإن إضافة ملايين أخرى من المهاجرين من شأنه أن يرهق النظام الحدودي الأمريكي.
أيضًا، ليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة لديها ما يكفي من الزنازين لاستيعاب كل الذين قد يتم احتجازهم أثناء إجراءات الترحيل، إذ تتمتع مرافق الاحتجاز التابعة لدائرة الهجرة والجمارك بالقدرة على استيعاب ما يقرب من 38 إلى 40 ألف محتجز في وقت واحد.
وشهدت عمليات عبور الحدود، وخاصة على الحدود الجنوبية، ارتفاعًا حادًا منذ تولي بايدن منصبه في عام 2021، وتم تسجيل أعلى رقم في السنوات الأخيرة في عام 2023، قبل تنفيذ ضوابط حدودية أكثر صرامة في ربيع عام 2024.
وأبلغت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية عن 3.2 مليون حالة عبور، وهو ما يتجاوز بشكل كبير الرقم القياسي السابق البالغ 1.4 مليون حالة عبور في عام 2019 أثناء إدارة ترامب.
وفي أكتوبر 2024، بلغ عدد حالات العبور حتى الآن 143050 حالة، وفقًا لبيانات هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية.