في لحظة مفاجئة من ليل اليوم الثلاثاء، أعلن الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول الأحكام العرفية في بلاده عبر خطاب بثه التلفزيون، في خطوة أشعلت جدلًا داخليًا وقلقًا عالميًا، أعادت للأذهان صفحات من تاريخ مشحون بالأزمات والصراعات في تلك البلاد.
ردود أفعال
أثار إعلان الأحكام العرفية ردود فعل متباينة من الأطراف السياسية في كوريا الجنوبية، إذ وصفت وكالة "يونهاب" الكورية للأنباء الاستجابة بأنها "انتقادات واسعة النطاق"، ووصف زعيم الحزب الديمقراطي المعارض، لي جاي ميونج، القرار بأنه "غير دستوري".
في المقابل، انتقد هان دونج هون، رئيس حزب قوة الشعب الحاكم، القرار رغم انتمائه للحزب نفسه، واصفًا إياه بـ"الخطأ".
الأحكام العرفية
تشير الأحكام العرفية إلى سيطرة عسكرية مؤقتة تُفرض في أوقات الأزمات عندما يُعتبر الحكم المدني غير كافٍ.
وغالبًا ما تتضمن تعليق الحقوق المدنية وتطبيق القانون العسكري، لكنها تبقى تدبيرًا استثنائيًا بسبب تداعياتها على الحريات العامة.
تاريخ الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية
لعبت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية دورًا مهمًّا في تشكيل التاريخ السياسي والاجتماعي للبلاد، وخصوصًا خلال فترات الأزمات الوطنية والحكم الاستبدادي. وكثيرًا ما كان تطبيقها يمثل لحظات من التوتر السياسي أو الاحتجاجات الجماهيرية أو التهديدات المزعومة للأمن القومي.
الحرب الكورية (1950-1953)
كان أول فرض كبير للأحكام العرفية في كوريا الجنوبية أثناء الحرب الكورية (1950-1953)، وهو الصراع الذي اندلع عندما غزت كوريا الشمالية الجنوب، وفي ذلك الوقت، كانت كوريا الجنوبية تحت رئاسة سينجمان ري، وقد أُعلنت الأحكام العرفية كإجراء ضروري في زمن الحرب للحفاظ على النظام ومعالجة الفوضى الناتجة عن الصراع.
خلال هذه الفترة، تولت الحكومة الكورية الجنوبية سلطات واسعة النطاق، بما في ذلك الرقابة والاعتقالات دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، وفرض القيود على الحركة.
ثورة إبريل (1960)
شهدت كوريا الجنوبية في عام 1960، لحظة محورية في نضالها الديمقراطي، عندما أدت الاحتجاجات الواسعة النطاق ضد تزوير الانتخابات والاستبداد، والمعروفة باسم ثورة أبريل، إلى استقالة سينجمان ري. وقد أُعلنت الأحكام العرفية خلال الاحتجاجات، حيث سعت الحكومة إلى قمع المعارضة والحفاظ على السيطرة.
تم نشر الجيش لاحتواء الاضطرابات، وقيِّدت الحريات المدنية، ومع ذلك، أثبتت المعارضة العامة أنها قوية للغاية، واضطر "ري" إلى التنحي، ما مثل نهاية جمهورية كوريا الأولى.
أحداث 16 مايو وحكم بارك تشونج هي (1961-1979)
استولى الجنرال بارك تشونج هي على السلطة عام 1961، مبررًا أفعاله بأنها وسيلة لاستعادة الاستقرار ومعالجة الفساد، وقد فُرضت الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد، مما منح الجيش السيطرة على الحكم المدني.
واعتمدت حكومة بارك بشكل كبير على الأحكام العرفية لقمع المعارضة السياسية والاحتجاجات خلال حكمه الذي دام قرابة عقدين، وأدى دستور يوشين لعام 1972، الذي قدمه بارك، إلى ترسيخ نظامه بشكل فعال، مانحًا إياه سلطات واسعة النطاق والقدرة على فرض الأحكام العرفية كلما رأى ذلك ضروريًا.
انتفاضة جوانغجو وحكم تشون دو هوان (1980)
من أشهر حالات الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية ما حدث في عام 1980، بعد اغتيال الرئيس بارك تشونج هي عام 1979. وأعلن الجنرال تشون دو هوان، وهو قائد عسكري، الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد أثناء مناوراته للسيطرة على الحكومة.
شهدت هذه الفترة قمعًا وحشيًا لانتفاضة جوانغجو، حيث احتج المواطنون في مدينة غوانغجو على حكم تشون الاستبدادي. ونُشرت قوات الأحكام العرفية لسحق الاحتجاجات، مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين.
فرضت حكومة تشون الأحكام العرفية لعدة أشهر، وعززت سلطتها من خلال الخوف والسيطرة العسكرية. ومع ذلك، أدت مذبحة جوانغجو إلى تحفيز الحركة المؤيدة للديمقراطية، مما أدى في النهاية إلى إنهاء الحكم الاستبدادي في كوريا الجنوبية.
الانتقال إلى الديمقراطية (1987)
في عام 1987 أجبرت الاحتجاجات الجماهيرية المعروفة باسم انتفاضة يونيو الديمقراطية، النظام العسكري الحاكم على تبني دستور أكثر ديمقراطية وعقد انتخابات رئاسية مباشرة.
وعلى الرغم من أن الأحكام العرفية لم تُعلَن رسميًا أثناء الاحتجاجات، إلا أن الحكومة في ذلك الوقت اعتمدت على تكتيكات قاسية تُذكّر بإعلانات الأحكام العرفية السابقة.
وفي نهاية المطاف، نجحت الحركة المؤيدة للديمقراطية في تحقيق إصلاحات سياسية كبيرة وضمان عدم تحول الأحكام العرفية إلى سمة متكررة للحكم في كوريا الجنوبية.
التحول الديمقراطي وموقف الدستور المعاصر
شهدت كوريا الجنوبية تحولًا ديمقراطيًا في أواخر الثمانينيات، حيث نجحت الاحتجاجات الشعبية في عام 1987 في فرض إصلاحات دستورية ومنع استخدام الأحكام العرفية إلا في الحالات الطارئة القصوى، مثل الحرب. ومنذ ذلك الحين، ينظر الكوريون إلى الأحكام العرفية كإرث استبدادي لا مكان له في الديمقراطية الحديثة.
فبين الضرورات الأمنية والتحديات الديمقراطية، يطرح إعلان الرئيس يون سوك يول تساؤلات حول قدرة كوريا الجنوبية على التوفيق بين حماية سيادتها ومصالحها، وضمان حقوق مواطنيها. تبقى الأيام القادمة شاهدة على كيفية تعامل البلاد مع هذا القرار المصيري وتداعياته المستقبلية.